أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَقَعَتِ اثْنَتَانِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ قَبْلَهَا طَلقَةٌ وَقَعَتِ اثْنَتَانِ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَبْلَ الدُّخُولِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ عَلَى وَجْهٍ، وَلاَ يَقَعُ شَيْءٌ عَلَى وَجْهٍ لاسْتِحَالَةِ طَلاَقِ مَوْصُوفٍ بالقَبْليَّةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: هذا الفَصْل يشْتَمِل على صُوَرٍ من تَكْرار الطَّلاق.
منها: ما لا يَخْتَلِف حكْمُه بين أن تكُون المرأة: مَدْخولاً بها أو لَمْ تكن.
ومنها: ما يختَلِف فنذكرها، ونبين حكمهَا, ولا بأْس لو تغير نظْم الكتَاب في بعْضِها.
الصورةُ الأولَى: إذا قَالَ للمدخول بهَا: أنتِ طالقٌ، أنت طالقٌ، نُظِرَ؛ إن وقَع بينهما فصْل بأن ذكَرَهما في مجلسين، أو في مجْلِس واحد، وسكَت بينهما سكتة، فوْق سكتة التنفس ونحوه، وقعَتْ طلقتان، فلو قال أردتُّ التأكيد، وكرَّرت قولي الأوَّل، لم يُقْبل في الحُكْم، وُيدَيَّن فيما بينه بين الله تعالى، وفرَّقُوا بينه وبيْن ما إذا أقَرَّ في مجْلِس بألف ثم في مجْلس آخر بألْف، وقال: أردتُّ إعادة الأول، وليْس عليَّ إلا ألفٌ واحدٌ، حيْث يُقْبَل؛ لأن الإِقرار إخبَارٌ والمُخْبَر عنْه لا يتعدَّد بتعدُّد الخبر، والطلاقُ إيقاعٌ وإنشاء، فإذا تعدَّدت كلمة الإيقاع تعدَّد الواقع، وإن لم يقَعْ بينهما فصْلٌ نُظِرَ، إن قصَد التأكيد، قُبل، ولم يقع إلاَّ طلقةٌ واحدة؛ لأن التأكيد في الكَلاَم معْهُود في جميع اللُّغَات، والتَّكْرار أعلى درجَاتِ التأكيد، والدرجات على ما ذَكَر أهل العربية ثلاثٌ؛ تكرير اللفْظ وكثيراً، ما وقع ذلك في كلام النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-.
قال الإِمام -رحمه الله- ويبغي به شيئان:
أحدهما: الاحتياط بإِيصَال الكَلاَم، إلى فَهْم السامع، إن فرض ذُهُول وغفلة.
والثاني: إيضاحُ القصْد إلى الكلام، والإِشعار بأن لسانه لم يَسْبِق إليه.
والدرجة الثانية التأكيد بلَفظ آخر، كقول القائل زيد نفْسُه.
والثالثة: التأكيد بألفاظٍ متغايرة، كقوله: رأيتُ القَوْل أجمعين أكْتَعينَ، وإذا كان التأكيد معهوداً، والتكرير أقوى درجاته، صحَّ التفسير؛ وإن قَصَد الاستئناف، وقعَتْ طلقتان، وإن أطْلَق ولم يقْصِد هذا ولا ذاك فقولان:
أصحُّهما: وبه قال أبو حنيفة: ومالك -رحمهما الله-: أنَّه يُحْمَل على الاستئناف، فتَقَع طلقتان؛ لأنَّ كل واحدٍ من اللفظين مُوقِعٌ لطلقة لو انفرد، وإذا اجتمعا، اجتمع حكْمُهما.
والثاني: قاله -رضي الله عنه- في "الإِملاء" أنه لا يقع إلاَّ واحدة؛ لأن التَّأكيد مُحْتمل، فيُؤْخَذ باليقين.