للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللهُ يَقَعُ فِي الظَّاهِرِ لأَنَّ الاسْمَ لاَ يَحْتَمِلُ الاسْتِثْنَاءَ، وَلَوْ قَالَ: يَا طَالِقُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً إِنْ شَاءَ الله وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ يَا طَالِقُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَيكُونُ قَوْلُهُ يَا طَالِقُ وَصْفاً بِالثَّلاَثِ فَيَرْجعْ الاسْتِثْنَاءُ إِلَى الثَّلاَثِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قال: أنْتِ طالقٌ إن شاء الله، نُظِرَ، إِن سَبَقت الكلمة إلى لسانه، بتعوده لها، كما هو الأدب أو قصد التبرك بذكر الله تعالى، وأراد الإِشَارة إلى أن الأمور كلَّها بمشيئة الله، ولم يقْصِد تعليقاً محقَّقاً لم يؤثر ذلك، ووقع الطلاق وإن قَصَد التعليق حقيقة لم يقع الطلاق، نصَّ عليه في "المختصر" وغيره، وعن رواية صاحبة "التقريب" والشيخ أبي عليٍّ -رحمهما الله- قول آخر: أنَّه يقع الطلاق، ولا يُؤَثِّر الاستثناء، وأخذ بعضُهم هذا القَوْل من نصٍّ رُوِيَ في الظِّهَار: أنَّه لو قال: أنْتِ عَلَيَّ كظَهْر أمِّي إن شاء الله، يكون مظاهراً، ويلْغُو الاستثناء ووجه القول: بأن الاستثناء يَرْفَع الطلاق أصْلاً ورأساً فأَشْبَه الاستثناء المستغرق، وما إذا قال: أنتِ طالقٌ طلاقاً لا يقع عليْكِ، فإنَّ الكلام في الصورتين متناقض غيْر منتظم، وهاهنا التَّعْلِيق منتظم، والصفة المعلَّق عليها قدْ تُعْلَم، وقد تُجْهل، وإذا جُهِلَت لم يُحْكَم بنزول الطلاق، وفَرَّق بعضهم بين الطلاق والظهار بأن الطَّلاق إخبارٌ، والإِخبارُ عن الواقع لا يتعلَّق بالصفات، بخلاف الإِنشاء، وهذا القائِلُ ذَهَب إلى أنَّه لو قال: لِفُلاَنٍ عليَّ عشرة إن شاء الله، يلزمه العشرة، ولا يُعْمَل الاستثناء، وظاهر (١) المَذْهَب، وإن سلم قول في المسألة أنَّه لا يقع الطلاق عند الاستثناء، رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ ثُتيَاهُ" (٢) وجهوه بشيئين:

أحدهما: إن المشيئة المعلَّق عليها عَيْبٌ عنا، فإذا لم يُعْلَم حصول الوَصْف المعلَّق عليه، لم يُحْكَم بوقوع الطلاق.

والثاني: إن قوله: "إن شاء الله" يقتضي حصول المشيئة وحدوثها بعد التعليق، كما لو قال: "إن شاء زيد أو دخل الدار" فإن اللَّفْظ يقع على مشيئة، ودخول يحدثان من بعد، ومشيئةُ اللهِ تعالى قديمةٌ لا يُتَصَوَّر حدوثها، وعن الحليمي: أنَّه اختار التوجيه


(١) في أ: فظاهر.
(٢) قال الحافظ في التلخيص: رواه أبو موسى المديني في ذيل الصحابة من حديث معدي كرب، وروى البيهقي من حديث ابن عباس: من قال لامرأته: "أنتِ طالقٌ إن شاء الله، فلا شيء عليه، ومن قال لغلامه: أنت حر إن شاء الله، أو عليه المشي إلى بيت الله، فلا شيء عليه" وفي إسناده: إسحاق بن أبي يحيى الكعبي، وفي ترجمته أورده ابن عدي في الكامل وضعفه، قال البيهقي: وروي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والراوي عنه الجارود بن يزيد ضعيف. وفي الباب عن ابن عمر. سيأتي في كتاب "الأيمان والنذور".

<<  <  ج: ص:  >  >>