الآخر فكذلك لا أثر لقول لثاني، وإن كان قول الثاني أرجح عنده فهو كتغيير اجتهاد البصير المجتهد في نفسه فيعود فيه الخلاف المقدم في أنه يبني أو يستأنف كذا هو في "التهذيب" وغيره، ولو اجتهد المجتهد الثاني بعد الفراغ من الصلاة لم يلزمه الإعادة، وإن كان قول الثاني أرجح، كما لو تغير اجتهاد المجتهد بعد الفراغ.
وقوله:(فقال له من هو دون مقلده أو مثله) أراد به هذه الحالة الأولى أي قال ذلك عن اجتهاد.
وأما قوله:(لم يلزمه قبوله) فلعلك تقول قد عرفت أنه لا يلزمه فهل يجوز قبوله فالجواب أن هذا يرتب على أن المقلد إذا وجد مجتهدين قبل الشروع في الصلاة أحدهما أعلم من الآخر فهل يجب عليه أن يأخذ بقول الأعلم أم يتخير؟ فإن قلنا بالأول فلا يجوز قبوله، وإن قلنا بالثاني ففيه خلاف؛ لأنه إن بني كان مصليًّا للصلاة الواحدة إلى جهتين وإن استأنف كان مبطلاً للفرض من غير ضرورة، وفي نظائر كل واحد منهما خلاف.
الحالة الثانية: أن يخبره عن علم ومعاينة فيجب الرجوع إلى قوله لاستناده إلى اليقين واعتماد الأولى على الاجتهاد، ولا فرق هاهنا بين أن يكن قول الثاني أصدق عنده أو لا يكون، ومن هذا القبيل أن يقول للأعمى: أنت مستقبل للشمس أو مستدبر، والأعمى يعرف أن قبلته ليست في صوب المشرق ولا المغرب فيجب قبول قوله، ويكون هذا بمثابة ما لو تيقن المجتهد الخطأ في أثناء الصلاة، فيلزمه الاستئناف على الصحيح، ولو قال الثاني: إنك على الخطأ قطعاً فكذلك يجب قبوله، فإن قطعه أرجح من ظن الأول، فينزل قطعه منزلة الإخبار عن محسوس، ثم القاطع بالخطأ قد يخبر عن الصواب قاطعًا به وقد يخبر عنه مجتهداً ويجب قبوله على التقديرين لبطلان تقليد الأول بقطعه، ولا يمكن أن يكون قطعه بالخطأ عن اجتهاد فإن الاجتهاد لا يفيد القطع، فلا عبرة بالعبادة الفارغة عن المعنى، وكل ما ذكرناه مفروض فيما إذا أخبره الثاني عن الصواب والخطأ جميعاً، فأما إذا أخبره عن الخطأ على وجه يجب قبوله ولم يخبره هو ولا غيره عن الصواب فهو كتغيير اجتهاد المجتهد في أثناء الصلاة وقد سبق حكمه -والله أعلم-.
فإن قلت: وعد في الكتاب بأربعة فروع ولم يذكر إلا ثلاثة قلت: المسائل المذكورة في هذا الفصل لم يعدها في "الوسيط" إلا ثلاثة فروع وجعل في أولها فرعاً آخر، هاهنا عدها أربعة من غير ذلك المضموم فيجوز أن يقال جعل حالتي الفرع الأخير فرعين ويجوز غير ذلك والأمر فيه هين.