للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهرهما: نعم سعياً في إصابة الحق؛ لأن الاجتهاد الثاني إن وافق الأول تأكد الظن، وإن خالفه فكذلك، لأن تغيير الاجتهاد لا يكون إلا لأمارة أقوى من الأمارة الأولى، وآكد الظنين أقرب إلى اليقين، وهذان الوجهان كالوجهين في طلب الماء في التّيمم، وكالوجهين في المفتي إذا استفتى عن واقعة واجتهد وأجاب فاستفتى مرة أخرى عن تلك الواقعة هل يحتاج إلى تجديد الاجتهاد؟ وأما النوافل فلا يحتاج إلى تجديد الاجتهاد لها [كما لا يحتاج إلى تجديد التّيمم لها] (١) ذكره صاحب "التهذيب" وغيره فإن قلت: ذكرتم أن الوجهين في وجوب تجديد الطلب مخصوصان بما إذا لم يبرح عن مكانه، فهل الأمر كذلك هاهنا؟ قلنا: في كلام بعض الأصحاب ما يقتضي تخصيص الوجهين بما إذا كان في ذلك المكان هاهنا أيضاً، لكن الفرق ظاهر؛ لأن الطلب في موضع لا يفيد معرفة العدم في موضع آخر، والأدلة المعرفة لكون الجهة جهة القبلة قد لا تختلف بالمكانين فإن أكثرها سماوية، ولا تختلف دلالتها بالمسافات القريبة.

الثاني: لو أدى اجتهاد رجلين إلى جهتين فكل واحد منهما يعمل باجتهاده، ولا يقتدي أحدهما بالآخر، فإن كل واحد منهما مخطئ عند الثَّانِي، فصار كما لو اختلف اجتهادهما في الإناءين والثَّوْبَيْنِ، ولو اجتهد جماعة وتوافق اجتهادهم فأمهم واحد منهم، ثم تغير اجتهاد واحد من المأمومين فعليه أن يفارقه، وينحرف إلى الجهة الثانية، وهل عليه أن يستأنف أم له البناء؟ فيه الخلاف الذي قدمناه في تغيير الاجتهاد في أثناء الصلاة، وللخلاف هاهنا مأخذ آخر، وهو أنا سنذكر خلافاً في أن المأموم هل له أن يفارق الإمام أم لا، وهل يفترق الحال بين أن يفارق بعذر أو غير عذر؟ ثم منهم من قال: هذه المفارقة بعذر، ومنهم من قال: هو مقصر بترك إمعان البحث والنظر، ولو عذر ولو تغير اجتهاد الإمام فينحرف إلى الجهة الأخرى، إما بانياً أو مستأنفاً على الخلاف الذي سبق، وهم يفارقونه فلو اختلف اجتهاد رجلين في التيامن والتياسر والجهة واحدة [فإن أوجبنا على المجتهد رعاية ذلك فهو الاختلاف في الجهة فلا يقتدي أحدهما بالآخر] (٢)، وإلا فلا بأس.

الثالث: إذا شرع المقلد في الصلاة بالتقليد ثم قال: له عدل أخطأ بك من قلدته، فلا يخلو إما أن يقول ذلك عن اجتهاد أيضاً أو عن علم ومعاينة، فهما حالتان:

فأما في الحالة الأولى فننظر: إن كان قول الأول أرجح عنده وأولى بالاتباع إما لزيادة عدالته وهدايته إلى الأدلة فلا اعتبار بقول الثاني إذ الأقوى لا يرفع بالأضعف، وإن كان قول الثاني مثل قول الأول، أو لم يعرف أنهما مثلان أو أحدهما أقوى من


(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>