للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الانحراف اليسير لا يسلب اسم الاستقبال عن البعيد عن الكعبة في المسجد وإن كان يسلبه عن القريب من الكعبة، وإذا لم يسلبه عن البعيد الواقف في المسجد [كان أولى] (١) أن لا يسلبه عن الواقف في أقصى المشرق والمغرب، ثم البصير بأدلة القبلة يجعل التفاوت البعيد وانحرافه على درجتين:

إحداهما: الانحراف السالب لاسم الاستقبال، وهو الكثير منه وإن لم ينته إلى أن يولي الكعبة يمينه أو يساره.

والثاني: الانحراف الذي لا يسلب اسم الاستقبال، وفي هذه الدرجة مواقف يظن الماهر في الأدلة أن بعضها أشد من بعض، وإن شملها أصل الشداد، فهل يجب طلب الأشد أم لا؟ فيه الخلاف، وربما أشعر كلام إمام الحرمين بإثبات ثلاثة درجات: التفات بقطع البصير بأنه يسلب اسم الاستقبال، والتفات يقطع بأنه لا يسلبه، والتفات يظن أنه لا يسلب لكنه لا يقطع به، فهل تجوز القناعة بالشداد المظنون أم يجب طلب المقطوع به؟ فيه الخلاف، هذا ما ذكراه، والجمهور على التعبير عن الخلاف بالعين والجهة، واتفق العراقيون والقفال على ترجيح القول الصائر إلى أن المطلوب العين، ولهم أن يقولوا: لا نسلم أن البعيد لا يمكنه إصابة عين الكعبة بل عليه ربط الفكر في اجتهاده بالعين دون الجهة، وأما الصف الطويل فلا نسلم خروج بعضهم عن محاذاة العين؛ وذلك لأن التباعد من الحرم الصغير يوجب زيادة محاذاة العين كما تقدم.

قال الغزالي: فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ: الأَوَّلُ إِذَا صَلَّى الظُّهْرِ بِاجْتِهَاد، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الاسْتِئْنَافُ لِلْعَصْرِ؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَوْ أدَّى اجْتهَادُ رَجُلَيْنِ إِلَى جِهَتَيْنِ فَلاَ يَقْتَدِي أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ، وَإِذَا تَحَرَّمَ المُقَلِّدُ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ لَهُ مَنْ هُوَ دُونِ مُقَلِّدِهِ أَوْ مِثْلُهُ: أَخْطَأَ بِكَ فُلاَنٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ فَهُوَ كَتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ البَصِيرِ فِي أَثْنَاءِ صَلاَتِهِ فِي نَفْسهِ، وَلَوْ قَطَعَ بِخَطَئِهِ وَهُوَ عَدْلٌ لَزِمَهُ القُبُولُ؛ لِأنَّ قَطْعَةُ أَرْجَحُ مِنْ ظَنِّ غيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ البَصِيرُ لِلأعْمَى: الشَّمْسُ وَرَاءَكَ وَهُوَ عَدْلٌ فَعَلَى الأعْمَى قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ مَحْسُوسٍ لاَ عَنِ اجْتِهَادٍ.

قال الرافعي: خَتَمَ البابَ بِفروعٍ:

أحدها: إذا صلى إلى جهة بالاجتهاد، ثم دخل عليه وقت صلاة أخرى، أو أراد قضاء فائته فهل يحتاج إلى تجديد الاجتهاد للفريضة الثانية؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأن الأصل استمرار الظن الأول، فيجري عليه إلى أن يتبين خلافه.


(١) في ط فأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>