للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفة وهو: أن المشرق قبلة أهل المغرب، والمغرب قبلة أهل المشرق، والجنوب قبلة أهل الشمال، [والشمال قبلة أهل الجنوب] (١). وعن مالك أن الكعبة قبلة أهل المسجد، والمسجد قبلة أهل مكة، ومكة قبلة أهل الحرم، والحرم قبلة أهل الدنيا.

وإذا ثبت هذا الأصل فنقول: الخطأ في التيامن والتياسر إن ظهر بالاجتهاد وكان ذلك بعد الفراغ من الصلاة فلا يقتضي وجوب الإعادة؛ لأن الخطأ في الجهة والحالة هذه لا يؤثر في التيامن، والتياسر أولى، وإن كان في أثناء الصلاة فينحرف ويبني، ولا يعود فيه الخلاف المذكور في نظيره من الخطأ في الجهة؛ لأنا استبعدنا الصلاة الواحدة إلى جهتين مختلفتين. فأما الالتفات اليسير فإنه لا يبطل الصلاة وإن كان عمداً.

أما إذا ظهر الخطأ في التيامن والتياسر يقيناً، فيبنى على أن الفرض إصابة عين الكعبة، أما إصابة جهتها فإن قلنا: الفرض إصابة الجهة فلا أثر لهذا الخطأ في وجوب الإعادة إن ظهر بعد الصلاة ولا في وجوب الاستئناف إن ظهر في أثنائها.

وإن قلنا: الفرض إصابة العين ففي الإعادة والاستئناف القولان المذكوران في الخطأ في الجهة؛ ثم قال صاحب "التهذيب" وغيره: لا يستيقن الخطأ في الانحراف مع بعد المسافة عن مكة وإنما يظن.

أما إذا قربت المسافة فكل منهما ممكن، وهذا كالتوسط بين اختلاف أطلقه أصحابنا العراقيون في أنه هل يتيقن الخطأ في الانحراف من غير معاينة الكعبة بلا فرق بين قرب المسافة وبعدها. فقالوا: قال الشافعي -رضي الله عنه- لا يتصور ذلك، إلا بالمعاينة. وقال بعض الأصحاب يتصور -والله أعلم- هذا شرح المسألة.

وأما قوله: (يرجع حاصلهما إلى أن بين المشتد في الاستقبال ...) إلى آخره، فهو كلام نحا فيه نحو إمام الحرمين -رحمة الله عليه-، وذلك أنهما حكيا أن الأصحاب بنوا الخلاف في خطأ التيامن والتياسر على الخلاف في أن مطلوب المجتهد عين الكعبة أو جهتها، واعترضا على هذه العبارة فقالا: محاذاة الجهة غير كافية؛ لأن القريب من الكعبة إذا خرج عن محاذاة العين لا تصح صلاته، وإن كان مستقبلاً للجهة ومحاذاة العين لا يمكن اعتبارها، فإن البعيد عن الكعبة على مسافة شاسعة لا يمكنه إصابة العين ومسامتتها، والمحال لا يطلب.

وأيضاً فالصف الطويل في آخر المسجد تصح صلاته جميعهم مع خروج بعضهم عن محاذاة العين، وإذا بطل ذلك فما موضع الخلاف؟ وما معنى العين والجهة؟ ذكرنا


(١) سقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>