للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه القضاء، وقد روينا وجهين على هذا القول فما ذكره جواب على أصحهما، ثم أشار إلى التفريع على القول الثاني بقوله: (إلا إذا قلنا يجب القضاء عند الخطأ) أي إذا أوجبنا القضاء عند ظهور الخطأ يقيناً بعد الصلاة فنحكم ببطلان الصلاة عند ظهوره في أثنائها، ولا يعتد بما أتى به بل البطلان هاهنا أولى كيلا يجمع في صلاة واحدة بين جهتين:

وأما القسم الثاني من هذا الضرب فهو غير مذكور في الكتاب، وحكمه قريب من حكم القسم الأول؛ إنا وإن رتبنا الحكم ثم على القولين في أن تعين الخطأ بعد الصلاة هل يوجب القضاء كما سبق فلا يحصل إلا وجهان:

أحدهما: أنه يبني.

والثاني: أنه يستأنف، وهما جاريان في القسم الثاني على ما بينا، ولهذا قال في "الوسيط": وإن تبين بالاجتهاد أنه مستدبر فحكمه حكم المتيقن نعم يختلف التوجيه بحسب القسمين كما قدمناه. وأما قوله: "إذا ظهر الخطأ يقينًا أو ظناً ... " إلى آخره، فهو الضرب الثاني، وهاهنا صرح بالتسوية بين تيقن الخطأ وظنه.

وقوله: (ففي البطلان قولان مرتبان على يقين الصواب) أي يقين الصواب مع الخطأ وهو صورة الاستدبار، وقد ذكر فيها قولين: أنه تبطل صلاته: أو يبني، وهذه مرتبة عليها والله أعلم.

قال الغزالي: وَلَوْ بَانَ لَهُ الخَطَأُ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ، فَهَلْ هُوَ كَالخَطَأ فِي الْجِهَةِ؟ فَعَلَى وَجْهَيْن يَرْجِعُ حَاصِلُهُمَا إِلَى أَنَّ بَيْنَ الْمُشْتَدِّ فِي الاسْتِقْبَالِ وَبَيْنَ الأَشَدِّ تَفَاوُتًا عِنْدَ الحَاذِقِ، فَهَلْ يَجِبُ طَلَبُ الأَشَدِّ أَمْ يَكْفِي حُصُولُ أَصْلِ الاشْتِدَادِ؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ.

قال الرافعي: جميع ما ذكرنا من الأحوال الثلاث فيما إذا بَانَ له الخطأ في الجهة، فأما إذا كانت الجهة واحدة وبَانَ له الخطأ في التيامن والتياسر فهذا يستدعي تقديم أصل وهو أن المطلوب بالاجتهاد عين الكعبة أم جهتها؛ وفيه قولان:

أظهرهما: أن المطلوب عين الكعبة لظاهر قوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (١). وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الخبر الذي تقدم ذكره مشيراً إلى العين: "هذِهِ الْقِبْلَةَ" (٢) وهما مطلقان ليس فيهما فصل بين القريب والبعيد.

والثاني: أن المطلوب جهة الكعبة، لأن حرم الكعبة صغير يستحيل أن يتوجه إليه أهل الدنيا فيكتفي بالجهة، ولهذا تصح صلاة الصف الطويل إذا بعدوا عن الكعبة ومعلوم أن بعضهم خارجون عن محاذاة العين، وهذا القول يوافق المنقول عن أبي


(١) سورة البقرة، الآية ١٤٤.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>