للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطلاق والعتق يتقاربان في كَثِير من الأحكام قالُوا: والمعنى فيه أن المرأة قدْ تخالف الرَّجُل في بَعْض مقاصده، فتفعل ما يَكْرَهُه، وتمتنع عن ما يرغب فيه، ويَكْرَه الرَّجُلُ طلاقَهَا، من حيْث إنَّه أبْغَضُ المباحات، ومن حيْثُ إنَّه يرجو موافقتها، فيحتاج إلى تعْليق الطَّلاق بفعل ما يكْرَهُه، أو ترك ما يريده، فإمَّا أن تمتنع ولا تفعل، فيحصل غَرَضُه، أو تخالف، فتكون هي المختارة للطلاق، وإذا علَّق الطَّلاق بشرط، لم يجُزْ له الرجوع عنه كما لو عَقَد اليمين على فعْل، ولا فَرْق في جواز التَّعليق أن يكُون الشَّرْط معلومَ الحُصُول، أو موهومَ الحْصُول، ولا يقع الطلاق في النوعين إلا بوجوده، وعن مالك أنَّه إذا علَّق بصفة يتحقق وجودها كمجيء الشَّهْر، وطلوع الشمس يقَع الطَّلاق في الحال.

ولا يحْرُم الوطء قبْل وجُود الشَّرط، ووقوع الطلاق، وعن مالك -رحمه الله- أنَّه قال: إذا قال: إنْ لم أفْعَلْ كذا، فأنْتِ طالقٌ يمتنع من الوطء إلى أن يفْعَلَه؛ لأن الحَنِثَ يَحْصُل بترك الفِعْل، والأصْل في الفعل العَدَمُ، ولو علَّق طلاقها بصفة، ثم قال: عَجَّلت تلْكَ الطلقة المعلقة، لم تتعجل، لتعلُّقها بذلك الوقت المستقبل، كما لو نَذَر صوم يوم معين، وكَمَا أن الجُعْل في الجعالة لَمَّا تعلق استحقاقه بالعَمَل، لم يتعجَّل بتعجيل، المالك وفيه وجْه آخر عن رواية الشَّيْخ أبي عليٍّ وغيره، وإذا قلنا بالظاهر فلو طلق وقال: عجلت لك الطَّلاق، راجَعْنَاه فإن قال: أردتُّ تلك الصفة، صدَّقاناه بيمينه، ولم يتعجَّل شيْء، وإن أراد طلاقاً مبتدأً وقعت طلقة في الحال ولو عقب لفظ الطلاق بحَرْفِ الشرط، فقال: أنْتِ طالقٌ، إنْ، فمنعه غيْره من الكلام؛ بأنْ وضَعَ يده عَلى فيه، ثم قال: أردتُّ أن أعلِّق بصفة كذا، صُدِّق بيمينه، لدَلالَة حرف الشرط على ما يَدَّعيه، وإنما حَلَّفْناه؛ لجواز أن يَكُونَ قَصْده التعليق على شيء حاصل مثْل أن يقول: إن كُنْتُ قد فعَلْتُ كذا، وكان قدْ فَعَل، ولو قطَع الكلام مختاراً حُكِمَ بوقوع الطلاق؛ لأن ظاهر الحَال أنَّه نَدِمَ على التعليق إن قَصَده وعَدَل إلى التنجيز، ولو ذَكَر حرْف الجزاء، ولم يذْكُر شرطاً بأن قال: فأنْتِ طالقٌ، ثم قال: أردتُّ ذكْر صفة، فسَبَق لساني إلى الجزاء، فعن القاضي كحُسَيْن؛ أنَّه لا يُقْبَل قوله في الظاهر؛ لأنَّه متهم قد خاطبها بصريح الطلاق، وحَرْف الفاء يحتمل غير الشَّرْط، وربما كان في عزْمه أن يقول: أمَّا بعدُ، فأنتِ طالقٌ، ولو قال: إن دخلت الدَّار أنت طالق، وحذف، حرف الجزاء، فقد أطْلَق في "التهذيب" وغيْره أنَّه يحمل على التَّعْليق.

وقال إسماعيل البوشنجي: يراجع، فإن قال: أردتُّ التنجيز، آخذناه به، وإن قال: أردتُّ التعليق، أو تعذرت المراجعة حُمِل على التعليق، ولو قال: إن دخلْت الدار، وأنت طالقٌ بالواو قال صاحب "التهذيب" -رحمه الله- إن قال: أردتُّ التعليق، فأقمت الواو مُقَام الفاء، قُبِلَ قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>