للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما تقتضيان التكرار مثْل "كلما"، ووجهاً آخر أن متى ما تقتضيه دون "متى"، إذا عُرِف ذلك، فلو قال "إنْ طلقتُكِ" أو إذا أو متى ما طلقتك، فأنتِ طالقٌ، ثم طلقها، نُظِرَ؛ إن كانت مدخولاً بها، وقَعَت طلقتان إحداهما المنجزة، والأخرى المعلَّقة بالتطليق، ولا فرق بين أن تُطلَّق بالتصريح، أو بالكناية مع النية، ولو طَلَّقها طلقتين وقَعَت طلقتان بالتنجيز وثالثة بالتعليق، فلو قال: لم أْرِد التعليق، وإنما أردتُّ أني إذا طلقتها تكُون مطلَّقة لتلك الطلقة، لم يُقْبَل في الظاهر، ويدين، ولو وَكَّل وكيلاً، فَطلَّقها، وقَع المنجَّز دون المعلَّق؛ لأنَّه علَّق بتطليقه، وينتظم أن يقال: إنه ما طلَّقها وإنما طلقها وكيله، وإن لم يكن مدخولاً بها، وقع ما نجَّزه، وحصَلَت البينونة، فلا يقع شيْء آخر، وتنحل اليمين بما نجز حتى لو نكحها، بعْد ذلك، وطلَّقها لا يجيء الخلاف في عود الحنث، ولو خَلَعها، وهي مدخولٌ بها أو غير مدخول بها، فكذلك لا يقع الطلاق المعلَّق لحصول البينونة بالخُلْع، ثم إن جعلْنا الخُلْع طلاقاً انحلت اليمين، وإن جعلْناه فسخاً، لم تنحل، وقوله في الكتاب وليس ذلك لأن الجزاء يتأخر عن الشرط، ولكن ذلك للمضادَّة أراد به أن من الأصْحَاب مَنْ ذهب إلى أن الطَّلْقة المعلَّقة إنما لم تقع؛ لأن المعلَّقة تتأخَّر عن المنجَّزة، وتترتب عليها, ولا تقع في غير المدخول بها طلقة بعْد طلقة، واحتجوا للترتيب بأن "الفاء" للترتيب والتعقيب، وبالفاء يوصل الطلاق بالشرط، فيقال: إن دخَلْتِ الدار، فأنتِ طالقٌ، وبأن الجزاء يتأخر عن الشرط؛ ألا ترى أن قوْل القائل: إن جئتني، أكرمتُك، وأنه لو قال في مرض موتة: إن عتقت غانماً، فسالمٌ حرٌّ، ثم أعتق غانماً، والثلث لا يفي إلا بأحدهما، فيعتق غانم، ولا يُقْرَع بينهما, ولولا تقدُّم الشرط، لأُقْرع بينهما، كما لو قال: أعتقتكما، والَّذي ارتضاه الإِمام -رحمه الله- ونسب إلى المحقِّقين أن المعلَّق بالصفة يقع مع وجود الصفة، فإن الشرط علَّة وضعية، والطلاق معلولها فيتقاربان في الوجود، كالعلة الحقيقة مع معلولها، وإنما التقدُّم والتأخُّر فيها، وأجابوا عن حرف الفاء بأن قول (١) القائل: أنتِ طالقٌ، إن دخلْتِ الدارَ, كقوله إن دخلتِ الدارَ، فأنتِ طالقٌ، ولا فاء، وعن الاستشهاد بقوله: إنْ جئتَنِي, أكرمتك، بأن الإِكرام، فعْل منشأ ولا يتصور إنشاؤه إلاَّ متأخراً عن المجيْء، فيلزم الترتيب ضرورةً وقوعُ الطلاق حكْمٌ شرعي لا يفتقر إلى زمان محْسُوس، فسبيله سبيل العلة مع المعلول، وعن مسألة غانم وسالم بأن عِتْق سالم مشروعٌ بعتق غانم، فلو أقرعنا أمْكَن أن تخرج القرعة على سَالِم فيمكن إعتاقه بدون الشرط، وعتْق غانم ليس بمشروط قال هؤلاء: وإنما لم تقع الطلقة الثانية؛ لأن قوله: إن طلقتُكِ، فأنتِ طالقٌ، معناه إذا صرْتِ مطلَّقة، وكما صارت (٢) مطلَّقة، صارت بائناً، والبينونة تنافي وتُضَادُّ وقوع طلقة أخرى،


(١) في ز: يقول.
(٢) في أ: صرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>