آخر أنَّه يعتق ثلاثة عَشَر عَبْداً، وأخذ بتطليق واحدة، وثلاثة بتطليق الثانية، وأربعة، بتطليق الثالثة، وخمسة بتطليق الرابعة، لم يكرّر هذا القائل بالرابعة يمين التبيين، واعلم أن العبيد المحكُوم بعتقهم في المسألة مبهمون والرجوع في التعيين إليه.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: تَكلَّمنا في التعليق بالتطليق والغرض الآن فيما إذا علَّق بنفي التطليق، وفي معناه التعليق بنفي الدُّخُول، والضرب، وسائر الأفعال، فإذا قال: إن لم أطلقْك، فأنتِ طالقٌ لم يقع الطلاق، وإنما يقع إذا حصَل اليأس عن الطلاق، ولو قال: إذا لم أطلِّقك، فأنْتِ طالقٌ فإذا مضى زمان يمكنه أن يطلِّق فيه، فلم يطلِّق، طُلِّقت، هذا هو المنصوص في اللفظين، وللأصحاب -رحمهم الله- فيه طريقان:
أحدهما: التسوية بين اللفظين؛ لاستعمال كل واحد منهما لمعنى الآخر، والتصرف في النصين بالنقل والتخريج:
إحداهما: أنَّه لا يقع الطَّلاق فيهما بمُضِيِّ زمان يمكن فيه التطليقُ من غَيْر تطليق، وإنما يقع عنْد اليأس، كما أن في طرف الإِثبات، لا يختص التعليق بالزمان الأول، وبهذا قال، أبو حنيفة، وأحمد -رحمهما الله-.
والثاني: يقع: إذا مَضَى زمان يمكن فيه التطليق من غير تطليق؛ لأنَّه أول وقت تحقق فيه عَدَم التطليق، والطلاق يقع بأول حُصُول الصفة.
وأصحُّهما: الأخذ بالمنصوص في الطرفين، والفرق أن حَرْف "إن" يدل على أن مجرد الاشتراط لا إشعار له بالزمان، "وإذا" ظرف زمان نازل منزلة "متى" في الدلالة على الأوقات؛ ألا ترى أن القائل إذا قال لك: متى ألقاك استقام لك أن تقول في الجواب: إذا شِئْت، وقَع موقع قولك "مَتَى شِئْت"، ولا يستقيم أن تَقُول، إن شِئْت، وإذا كان كذلك، فقوله:"إن لم أطلقْكِ" معناه: إن فاتني طلاقُكِ، ومدةُ إمكان الطلاق فسيحة، فينتظر الفوات، ومدة ذلك إذا مَضَى زمان يسع التطليق، فلم تطلق، فإذا مَضَى زمانٌ هذا حالُهُ، وجب أن يقع الطَّلاق.
ولو قال: متى لم أطلقك، أو "مهما" أو "أيّ" حِينِ أو وقْتٍ أو كُلَّمَا لم أفعل أو تفعلي كذا، فإذا مَضَى زمان يتسع ذلك الفعل، فلم يَحْصُل، وقَع الطَّلاق، كما في "إذا" على الصحيح، وأشار الحناطي إلى طَرْد الخلاف فيها، وعبَّر الأئمة عن الغرض جواباً على الصحيح، بأن أدوات التعليق كلَّها تقتضي الفور في طرف النفي إلا حَرْف "إن"