للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنها للتراخي، ولك أن تقول: مقصود اللفظ معلومٌ، لكن في إطلاق لفظَي الفور والتراخي هاهنا نَوْعُ توسُّع؛ لأنهما إنما يستعملان في الأفْعَال الَّتي لها أوقات متوسعة، والنظر في التعليقات إلى حُصُول الصفة الَّتي ارتبط بها الطَّلاق، ويستوي في ذلك طرف النفي والإِثبات، وكلمة "إن" حرف شرط يتعلَّق بمعلق الفعل من غير دلالة على الزمان، ففي طرف الإِثبات إذا حَصَل الفعل في أي وقت كان، وقَع الطلاق، وفي طرف النفي يعسر انتفاؤه، والانتفاء المطلَقُ بالانتفاء في الأزمان؛ ألا ترى أنَّه لو حلف أن يكلمه، بَرَّ، إذا كَلَّمَهُ مرةً في عمره، ولو حلَف ألاَّ يكَلِّمه، فإنما يبر إذا امتنع عنه في جميع العمر، أمَّا "إذا"، "ومتى"، "وأي"، "وحين" وما يدل على الزمان، فحاصلها أنه يقول في طرف الإِثبات: أيَّ وقت فعَلْتُ كذا، فأنتِ طالقٌ، فأي وقت فعل، يقع الطلاق، سواءٌ فيه الزمان الأول، وغيره، ويقول في طرف النفي؛ أيِّ وقْت لم أفْعَل كذا، فأنتِ طالقٌ، إذا مضى زمان لم يفْعَلْه، حصلت الصفة، فتعلق (١) بها الطلاق، فلا فرق إذن بين طرفي النفي والإِثبات، إلاَّ في كيفيَّة حصول الصفة.

ولو علَّق النفي بكلمة "إن" وقيده بزمان فقال: إن لم أطلقْكِ اليوم، فأنتِ طالقٌ، فإذا مضى اليوم، ولم يُطلِّق نحكم تفريعاً على الصحيح بوقوع الطلاق قبيل غروب الشمس؛ لحصول اليأس حينئذٍ، ولو قال: إن تركْتُ طلاقك، فأنتِ طالقٌ، فإذا مضى زمانٌ يمكنه أن يُطلِّق، فلم يُطلِّق، طُلِّقَتْ بخلاف طرف النفي، وإن طَلَّقها في الحال واحدةً، ثم سكت لا تقع أخرى؛ لأنَّه لم يترك طلاقها، قال في "التهذيب" ويمثله لو قال: إن سكت عن طلاقك، فأنتِ طالقٌ، فلم يطلقها في الحال طُلِّقت لحصول الصفة، وإن طَلَّقها في الحال، ثم سكت طُلِّقت أخرى بالسكوت، ولا تُطلَّق بعْد ذلك لانحلال اليمين (٢).

ولو قال: كُلَّما سكت عن طلاقك أو كلما لم أطلقْكِ، فأنت طالقٌ، ومضى ثلاثة


(١) في ز: فيتعلق.
(٢) قال في المهمات: تفريقه -بين أن يقول إن سكت وإن تركت بالنسبة إلى الوقوع. ثانياً تابعه في الروضة عليه ولا أدري ما وجهة الصواب التسوية وأن يجعل هذا من الأجوبة المختلفة.
قال في الخادم: فرق الماوردي بينهما بأن قوله إن تركت طلاقك فأنتِ طالقٌ بمنزلة إن لم أطلقك فأنتِ طالقٌ، فإذا طلقها وقع المنجز دون المعلق وارتفع حكم التعليق لأنه مشروط بعدم التطليق وقد زال الشرط بوقوع المنجز فلم يبق للتعليق حكم كما لو قال أنتِ طالقٌ إلا أن أدخل ثم دخل فإنَّه لا يقع الطلاق المعلق على عدم الدخول لأنه رفع حكم الطلاق المعلق بالدخول، وأما قوله إن سكت عن طلاقك فأنتِ طالقٌ ثم طلقها عقب ذلك يقع المنجز ولا يبطل حكم التعليق لبقاء شرطه وهو التعليق على السكوت. والمتلفظ بالطلاق وغيره لا يسمى ساكتاً حال تلفظه وإذا لم يوجد سكوت عن الطلاق فيبقى التعليق على حاله، وإن سكت عقب المنجز لحظة وقع المعلق والمعلق بالسكوت لا يسمى ساكتاً حال تلفظه بالطلاق المنجز.

<<  <  ج: ص:  >  >>