قال الرافعي: لما لم يعد النية ركنًا خلط مسائلها بمسائل التكبير؛ لأن وقت النية هو التكبير، ويجب أن تكون النية مقارنة للتكبير خلافاً لأبي حنيفة وأحمد حيث قالا: لو تقدمت النية على التكبير بزمان يسير ولم يعرض شاغل عن الصلاة جاز الدخول في الصلاة بتلك النية.
لنا أن التكبير أول أفعال العبادة فيجب مقارنة النية له كالحج وغيره؛ ولهذا لو تقدمت بزمانٍ طويلٍ لم يجز بخلاف الصوم لما في اعتبار المقارنة ثم من عسر مراقبة طلوع الفجر، ولهذا يحتمل فيه المتقدم بالزمان الطويل، ثم في كيفية المقارنة وجهان:
أحدهما: أنه يجب أن يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان، ويفرغ منها مع الفراغ من التكبير.
وأصحهما: أنه لا يجب ذلك بل لا يجوز لأن التكبير من الصلاة فلا يجوز الإتيان بشيء منه قبل تمام النية، وعلى تقدير التوزيع يكون أول التكبير خاليًا عن تمام النية المعتبرة، وهذا هو الذي ذكره في الكتاب حيث قال:(ويقترن القصد إلى هذا المعلوم بأول التكبير) ثم اختلفوا على هذا الوجه، فقال قوم منهم أبو منصور بن مهران شيخ الأودني: يجب أن تتقدم النية على التكبير ولو بشيء يسير ليأمن من تأخر أولها عن أول التكبير، واستشهد عليه بالصوم.
وقال الأكثرون: لا يجب ذلك، ولو قدم فالاعتبار للنية المقارنة بخلاف الصوم، فإن المتقدم كان لورود الشرع بالتبييت، ثم سواء قدم، أو لم يقدم فهل يجب استصحاب النية إلى أن يفرغ من التكبير فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأن ما بعد أول التكبير في حكم الاستدامة، واستصحاب النية في دوام الصلاة لا يجب.
وأصحهما: نعم؛ لأن النية مشروطة في الانعقاد، والانعقاد لا يحصل إلا بتمام التكبير، ألا ترى أنه لو رأى المتيمم الماء قبل تمام التكبير يبطل تيممه، وأما بعد التكبير فلا يشترط استصحاب النية، ولا يضر عزوبها لما في تكليف استصحابها من العسر.
وأما قوله:"بحيث تحضر في العلم صفات الصلاة ... " إلى آخره، فهو بيان لحقيقة النية وما تفتقر إليه، وذلك أن النية قصد، والقصد يتعلق بمقصود، ولا بد وأن يكون المقصود معلومًا، فالناوي يحضر في ذهنه أولا ذات الصلاة وما يجب التعرض لها من صفات كالظهرية والعصرية وغيرهما كما سيأتي، ثم يقصد إلى هذا المعلوم ويجعل قصده مقارناً الأول التكبير، ولا يغفل عن تذكره حتى يتم التكبير.
وقوله:(ويبقى مستديماً للقصد والعلم إلى آخر التكبير) ينبغي أن يتنبه فيه لشيئين: