للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه لو لم يتعرض في مثل هذا الموضع للعلم لكان الفرض حاصلاً؛ لأن المستدام هو القصد إلى الصلاة بصفاتها المعتبرة ولا يمكن استدامة هذا القصد إلا باستدامة حصور المقصود في الذهن وهو العلم.

والثاني: أن هذا الكلام بيان لما ينبغي أن يفعله المصلي، ثم هو واجب أو مسنون قد نبه آخر بقوله: (وإن عَزُبت قبل تمام التكبير فوجهان) وإن قلنا يجوز فالاستدامة مسنونة وإلا فواجبة.

قال الغزالي: وَلَوْ طَرَأَ فِي دَوَامِ الصَّلاَةِ مَاَ يُناقِضُ جَزْمَ النِّيَّةِ بَطُلَ، كَمَا لَوْ نَوَى الخُرُوجَ فِي الحَالِ أَوْ فِي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي الخُرُوجِ، وَلَوْ عَلَّقَ نِيَّةَ الخُرُوجِ بِدُخُولِ شَخْصٍ إِنْ دَخَلَ فَفِي البُطْلاَنِ وَجْهَانِ.

قال الرافعي: استدامة النية وإن لم يكن شرطاً في دوام الصلاة، إلا أن الامتناع عما يناقض جزم النية شرط، فإن هذا هين وإن كان الأول عسيراً وهذا كالإيمان لا يشترط فيه استحضار العقد الصحيح على الدوام، ولكن يستدام حكمه ويشترط الامتناع عما يناقضه.

إذا تبين ذلك فنقول: لو نوى الخروج من الصلاة في أثنائها بطلت صلاته، فإن هذه النية تتناقض قصده الأول، ولو تردد في أنه يخرج أو يستمر فلذلك تبطل صلاته، لما بين التردد والجزم من التنافي.

قال إمام الحرمين: والمراد من هذا التردد أن يطرأ له الشك المناقض للجزم واليقين، ولا عبرة بما يجري في الفكر أنه لو تردد في الصلاة (١)، كيف يكون الحال فإن ذلك مما يبتلي به الموسوس، وقد يقع له ذلك في الإيمان بالله تعالى أيضاً فلا مبالاة به. ولو نوى الخروج من صلاته في الركعة الثانية أو علق الخروج بشيء آخر يقع (٢) في صلاته لا محالة بطلت صلاته في الحال؛ لأنه قطع موجب النية، فإن موجبها الاستمرار على الصلاة إلى انتهائها وهذا يناقضه، وحكى في "النهاية" عن كلام الشيخ أبي علي: أنه لا تبطل صلاته في الحال. ولو رفض هذا التردد قبل الانتهاء إلى الغاية المضروبة صحت صلاته فلا بأس بإعلام قوله: (أو في الركعة الثانية) بالواو لهذا الكلام وإن كان غريباً، ولو علق نية الخروج بدخول الشخص ونحوه مما يجوز عروضه في الصلاة وعدمه فهل تبطل صلاته في الحال؟ فيه وجهان:

أصحهما: نعم، كما لو قال: إن دخل فلان تركت الإسلام، فإنه يكفر في


(١) سقط في ط.
(٢) في ط يقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>