وأما حكمة التشريع التي يمكن أن تتعرف العقول، وتصل إليها المدارك في شرع الله الرجعة بعد وقوع الطّلاق هي أن الزَّوْجَ الذي أقدم على ذلك الحلال المبغوض، ربَّما يكون قد استوثقت بينه وبين مطلَّقته آصرة من المودة والإيلاف، فقد أَفْضَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وكانت لباسًا له، كما كان لباسًا لها، وربَّما احتمل العلوق، أو يكون قد خرج من بينهم ذرية ضعاف يخاف عليهم الضياع والشتات. ولا يغيب عن البال أن الأبناء والذرية الذين يتربوا في غير أحضان الآباء والأمهات معاً تكلألهم أعينهم، ويحوطهم الحفظ من السقوط في حماءة التّشرد، لا شك يكونون شَرًّا مُسْتَطِيرًا ونواة سيئة في المجتمع الذي يعيشون فيه، وإننا لا ننكر أن الأم من الضّعف، وعدم القدرة على صِيَانَةِ الولد خارج المنزل، فالله عالم به، وربما دفعها فرط الشّفقة عليه، وشدة الحنان والحدب عليه إلى التغاضي عن سيئة، وقد لا تدري ما العاقبة الوخيمة، وما نتيجة هذا التَّفريط. وكثيرًا مِنْهُنَّ جاهلات لا يعرف من أمور الحياة وشؤون تربية الأبناء إلاّ كونهن آلة تقوم بتنظيف المسكن، وإنضاج الطعام، وغسل الملابس، ولا تعرف لابنها إلا أن تلقمه ثديها رضيعاً، وتقدم إليه كسر الخبز والطّعام بعد فطامه وفي يفاعه. وأيضاً قد يتزوج كل من الأبوين بعد انفصام عقدة النكاح، وهنا الطّامة تَطُمُّ على الأبناء. فالأم منصرفة عن ابنها إلى الزوج الجديد، والأب لاهي بزوجته، وربما كانت الزوجة عامل إفساد تربية هؤلاء الصغار، من أجل ذلك كلّه شَاءَ رَبّكَ الحَكِيمُ أن لا يهمل أمر هؤلاء الصغار، وأن لا تندثر آصرة المحبة والايلاف بين الزوجين، وشاء ألا يندم الزّوج على ما فرْط منه، فشرع الرجعة وملكها الزوج؛ حتى لا يطول ندمه، ولا تطول محنة الأبناء. وأيضًا قد تكون الزوجة لا عائل لها, وليس ثمة من يرغب في نكاحها، فكان بالرجعة مجال؛ لدرء ما عساه أن يقع؛ ولدفع الفاقة عن البائسات. (١) في أ: الرجوع. (٢) في أ: من.