للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الأصْحَاب لَمَّا نَظَروا في الأحكام المجموعة في هذا الفصل، وَجَدوا لها دلالاتٍ متعارضةً، فأنْشَؤوا منْها أقوالاً ثلاثة في أن الطلاق الرجعيَّ هل يَقْطع النكاح، ويزيل الملْك أم لا:

أحدها: نعم، ويدل عليه تحريم الوطْء، ونصه على وجوب المهر، وإن راجع، وأنه لا يصحُّ مخالعتها في قول، وأنه يجب الإشهاد في قول، فإن ذلك تنزيل له منزلة الابتداء.

والثاني: أنه لا يزيل الملك، ويدل عليه أنه لا يجِبُ الحد بوطئها، وأنه لا يجب الإشْهَاد على قول، فإنه يصح الخلْع على قول وأنه يقع الطلاق، ويصح الظهار واللعان والإيلاء، ويثبت الميرَاث، واشتهر عن لفظ الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- أن الرجعيَّة زوْجَةٌ في خمس آي من [كتاب الله تعالى]، وأراد الآياتِ المشتملة على هذه الأحكام.

والثالث: أنه موقوف، إن لم يراجعها حتى انقضت العدة، فَتَبين زوال الملك بالطلاق، وإن راجَعَها، تبيَّن أن المِلْك لم يَزُل، وأخذ ذلك من قَوْل من قال من الأصحاب: إن المَهْر موقوفٌ، إن لم يراجعْها، وإن راجَع، لم يحلف، وشبَّهوا هذه الأقوال بالأقوال في المِلْك في زمان الخيار، واختلف اختيار صاحب الكتاب وشيخه الإِمام، فاختار الإِمام القولَ الذَّاهب إلى بقاء الزوجية والملك، واعتذر عن تحريم الوطء بأن الطلاق يَجُربِهَا إلى البينونة والتحرم سبب يَثْبُت بعوارضَ تطرأ مع تمام المِلْك؛ للاحتياط، فأَوْلَى أن يَثْبُت عند ظهور الخلل والاضطراب، وعن وجوب المَهْر، بأنه ممنوعٌ من الوطْء؛ لخلل [فيه] (١) واضطراب وقَع في العَقْد، فإذا وَطئَ، ولم يجعل ذلك ردًا وإصلاحًا للشعث، كان كوطْء شبهة يتفق، قال: وأما إفساد المخالعة، فليس ذلك لزوال الملك، ولو كان لزواله، لَمَا لَحِقها الطلاق بغير عِوَض أيضاً، وأما وجوب الإشهاد، فمستنده ظاهرُ الآية على ما تَقدَّم، واختار صاحب الكتاب في "الوسيط" القَوْلَ بزوال الملك، واعتذر عن عَدَم وجوب الحَدِّ بأن سلطنة الرد قائمةٌ فتنهض شبهة، وعن عدم وجوب الإشهاد بأنه في الرَّجعة مستغنٍ عن رضا المرأة، وعن الولي، وكما لا يلتحق بالرجعة بالنكاح فيها, لا يلتحق بالنكاح في اعتبار الشهود، وصحة الخلع؛ لدفع سلطته وولايته، وكفت بذلك السلطنة لوقوع الطلاق؛ لفائدة تنقيص عدد، وكذلك لصحة الإيلاء والظهار وثبوت الميراث، وأنتَ إذا نَظَرْتَ في المسائل، وفيما هو الأظهر من الصور المختَلَف فيها, لم تُطْلِق القول بترجيح زوال الملك ولا بقائه.

وقوله في الكتاب "وهي محرمة الوطء" مُعْلَم بالحاء والألف، وقوله: "ولكن لا


(١) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>