للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سقطت دعوى الزوج، وإن نكلت، حلف، وغرمها مَهْر المثل، ولا نحكم بطلان نكاح الثاني، وإن جعَلْنا اليمين المردودة كالبينة؛ لأنها وإن جُعِلت كالبينة، فإنما تكون كالبينة في حق المتداعيين خاصَّةً، وفي "النهاية" نقل وجه ضعيف: أنه يحكم ببطلان النكاح (١)، إذا قلْنا: إنها كالبينة، وإن قلْنا: إن الدعوى على الزوج الثاني مسموعةٌ، فيُنْظر؛ إن بدأ بالدعوى على الزوجة، فالحكم على ما بيَّنَّا، لكن إذا انقطعت الخصومة بينهما، بَقِيَتْ دعواه على الثاني وإن بدأ بالدعوى على الثاني، فإن أنكر، صُدِّق بيمينه؛ لأن العدة قد انقضت، والنكاح وقع صحيحاً في الظاهر، والأصل عدم الرجعة، وإن نَكَلَ، رُدَّت اليمين على المدعي، فإن حلف، حكم بارتفاع نكاح الثاني، ولا تصير المرأة للأول بيمينه، ثم إن قلْنا: إن اليمين المردودة كالبينة، فكأنه لم يكن بينها وبين الثاني نكاح، فلا شَيْءَ لها على الثاني إلاَّ مهر المثل، إن دخل بها، وإن قلْنا: إنها كالإقرار، فإقراره عليها غَيْر مقبول (٢)، فلها كمال المُسمَّى، إن كان بعد الدخول، ونصْفه، إن كان قَبْله.

قال في "التهذيب" والصحيح عندي أنها إن جُعلَت كالبينة، لا تؤثر في سقوط حقِّها عن المسمَّى، بل يختص أثر اليمين المردودة بالمتداعيين، فإذا انقطعت الخصومة بينهما، فله الدعوى على المرأة، ثم يُنْظَر؛ إن بقي النكاح الثاني، بأن حلف، فالحكم كما ذكرنا فيما إذا بدأ بها، وإن لم يبق بأن أقر الثاني للأول بالرجعة، أو نَكَل، فحلف الأول، فإن أقرت المرأة، سُلِّمت إليه، وإلا فهي المُصدَّقة باليمين، فإن نَكَلت، وحَلَف المدعي، سُلِّمت إليه، ولها على الثاني مَهْر المثل، إن جَرَى دخول، وإلاَّ، فلا شَيْء عليه، كما لو أقرت بالرجعة، وكل موضع قلنا: لا تُسلَّم المرأة إلى الأول، لحق الثاني، وذلك عنْد إقرارها، أو نكولها، ويمين الأول، فإذا زال حق الثاني بموت وغيره، سُلِّمت إلى الأول، كما لو أقر بحرية عبْد في يد غيره، ثم اشتراه، يحكم عليه بحريته.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَمَهْمَا أَنْكَرَتِ الرَّجْعَةَ ثُمَّ رُجِعَتْ صُدِّقَتْ وَإِنْ كَانَ في إِنْكَارِهَا إِقْرارٌ بِالتَّحْرِيمِ؛ لأنَّهَا جَحَدَتْ حَقَّ الزَّوْج ثُمَّ أَقَرَّتْ فَيَتَرَجَّحْ جَانِبُه* وَلَوْ أَقَرَّتْ بِتَحْرِيمِ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا الرُّجُوعُ* وَإِنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ثُمَّ رَجَعَتْ فَالأَظْهَرُ أنَّهُ يُقْبَلُ لِحَقِّ الزَّوْجِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أنكرت المرأة الرجعة، واقتضى الحال تصديقها، ثم رجَعَت، صُدِّقت في الرجوع، وقُبِلَ إقرارها، نصَّ عليه، ورأى الأصحاب فيه إشكالاً؛ لأن قضية قولها الأول تحريمُها عليه، وقضية الإقرار بالتحريم ألا يُقْبَل منها نقيضه، كما لو أقَرَّت


(١) في أ: بالبطلان.
(٢) في أ: فله.

<<  <  ج: ص:  >  >>