والثاني: أن الرضاع يَتعلَّق بها، فإقرارها به يَصْدُر عن علم وتحقُّق، والرجْعةُ قد تجري في غيبة، وهي لا تَشْعُر فلا يبعد أن تنكر، ثم تَعْرف، وتَعْتَرِف.
قال الإِمام: ولا خير في هذين القولين؛ أما الأول، فهو بيان التفاوت في كيفية الحرمة، وأصل الحرمة حاصِلٌ شامل للصورتين، وأما الثاني، فالرَّضَاع يجري في الصغر، فلا يَشْعُر به المرتَضِع.
والثالث: أن الإقرار بأخوة النسب والرضاع تستند إلى أمر ثبوتي، وإنكار الرجعة، وإن صُدِّقت، فيه نفي شيء، والثبوت أقرب إلى العِلْم والإحاطة من النفي؛ ولذلك كان الحَلف في طرف الثبوت على البَتِّ، وفي النفي على العلْم، وإذا كان كذلك كان الرجوع في طرف الإثبات رجوعًا عن المحقَّق المعلوم، فلا تقبل، ولذلك نقول: لو ادَّعتِ الطلاق على الزوج، فأنْكَر، ونكل، فحلفت، ثم رُجِعَت، وكَذَّبت نفسها, لا يُقْبل رجوعها؛ لاستناد قولها إلى الإثبات، وأما في طرف النفي، فكأنه لم يَعْلَم، ثم عَلِم، نَعَمْ، لو قال: ما أتلف فلان مالي، ثم رَجَع، وادَّعَى أنه أتلف، لا يُقْبَل؛ لأن قوله:"ما أتلف" تضمَّن الإقرار على نفْسه ببراءته.
والرابع: أن الرجل ادَّعَى حقّاً، فأنكرته، ثم عادت إلى الاعتراف به، فإذا توافقا على ثبوت حقه، لم يجز إبطاله، كما لو ادَّعى أنها زوجته، فأنْكَرَت، ثم أقرت أو ادَّعى على إنسان قصاصًا، فأنكر، ثم أقر بخلاف قولها: فُلان أخِي، ولو زُوِّجت المرأةُ، وهي ممن يُحْتَاج إلى رضاها، فقالت: لم أرْضَ بعقد النكاح، ثم رجَعَت، وقالت: رَضِيتُ، وكنتُ نسيته، وجهان:
أحدهما: أنه يقبل رجوعها؛ لأن قولها الأول راجِعٌ إلى النفي، وأيضاً، فإنها أنكرت حق الزَّوْج، وعادَتْ إلى التصديق، فيُقْبل؛ لِحَقِّه.
والثاني: المنع؛ لأن النفي إذا كان تَعلَّق بها كالإثبات؛ ألا ترى أن الإنسان يحلف على نفي فعله على البَتِّ، كما يحلف على الإثبات على البت، وقد ذكرنا أن الإقرار بالأمر الثبوتي يبعد الرجوع عنه، وعلى هذا فلا يحل له إلاَّ بعقد جديد، وهذا ما حكاه القاضي أبو الطَّيِّب -رحمه الله- عن النص، والأول أظْهَر عنْد صاحب الكتاب -رحمه الله- والله أعلم بالصواب.
فروع: إذا طلَّقها طلقةً أو طلقتين، واختلفا في الإصابة، فقال الزوج: طلقتها بعد