وفي الشرع هو: الحَلِف على الامتناع من وطء الزوجةُ مطلقاً مدَّةً تزيد على أربعةُ أشهر، وكان الإيلاء طلاقًا في الجاهلية، فغَيَّر الشرعُ حكْمه، والأصل فيه قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] الآية، ولما لم يكن بُدٌّ من معرفة الإيلاء الصحيح من غير الصحيح، ومن معرفة حكم الصحيح منه، رتب الكتاب على بَابَيْن:
أحدهما: في أركانه، وُيبَيَّن بها صحيحه من فاسده.
والثاني: في أحكام الصحيح، أمَّا الأركان، فهي أربعة؛ لأن التفسير المذكور يَعْتَمِد حالفًا، ومحلوفًا، ومحلوفًا على الامتناع منه، ومدة وهي ظرف الامتناع.
الركن الأول: الحالف، واعتبر فيه وصفين:
أحدهما: كونه زوجًا، فلو قال لأجنبية: واللهِ، لا أطَؤُك، تمحَّض ذلك يمينًا حتى لو وطئها قبل النكاح أو بعده، يلزمه كفَّارة يمين؛ ولا تَنْعقد الإِيلاء حتى إذا نَكَحها, لا تُضْرَب المدة.
وفي "التتمة" نقل وجْه: أنه يصير مُولياً إذا نَكَحها؛ لأن اليمين باقيةٌ، وهي مانعة من الوطء، تحتاج إلى رفع الضرر، ونسَبَ هذا الوجْه ناسبون إلى رواية صاحب "التقريب"، وبه قال مالك، والمذْهَب الأول: لأن الإيلاء، يختص بالنكاح؛ فلا ينعقد بخطاب الأجنبية؛ كالطلاق (١)، ولأن ضَرْب المدة والمطالبة يتعلَّقان بالإيلاء عن الزوجة.
قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] وليست هذه الصورة في معناه؛ لأنه لا يتحقق قصْد الإيذاء، والإضرار وهي أجنبية.
ولو قال لها: إن تزوَّجْتك، فوالله لا أطؤك فهو كتعليق الطلاق بالملك، ويجيء فيه خلاف أبي حنيفة، ويصح الإيلاء من الرجعية كما يلحقها الطلاق، ولا تحتسب المدَّة عن الإيلاء، وإنما تضرب المدة من وقْتِ الرجعة؛ لأنها زمان العدة مفارقة جارية إلى البينونة، وعن أبي حنيفة، وأحمد: أن مدة العدة تُحْتَسَب من مدَّة الإيلاء.
والثاني: تصوُّر الوقاع، فمن جُبَّ ذكره، وآلَى هل يصحُّ إيلاؤه؟ فيه اختلاف، نص وذكر الأصحاب -رحمهم الله- طرقًا:
أظهرها: أن المسألة على قولَيْن:
أحدهما: أنه يصحُّ إيلاؤه، كما يصح إيلاء المريض العاجز؛ لعموم الآية.
(١) في أ: بالطلاق.