والثاني: وهو اختيار المزنيِّ: أنه لا يصحُّ؛ لأنه لا يتحقَّق منه قصدُ الإيذاء، والإضرار؛ لامتناع الأمر في نَفْسه، وهذا أصحُّ على ما ذَكَره القاضيان أبو الطيِّب والرُّويانيُّ، وهو نصه -رضي الله عنه- في "الإملاء"، الأول عن الأُمِّ، والثاني: القطع بالمنع -كما في "الإملاء"، وحُمِلَ ما في "الأم" على أنه إذا آلى ثم جُبَّ ذكَرُه، لا يبطل الإيلاء، وسنذكره.
والثالث، حكاه أبو الفرج السرخسي -رحمه الله- القطع بالصِّحة، وحمل ما في "الإملاء" على أنه لا يُطَالَب بالوقاع؛ لعجزه، بخلاف إيلاء القادر، وإنما يؤمر بالفيئة باللسان؛ بأن يقول: نَدِمْت على ما قلت وزاد الشيخ أبو حامد -رحمه الله-؛ ولو قَدَرْتُ لَفَعَلْتُ (١)، ولا يقول: إذا قَدَرْت، وطئت بخلاف المريض بعْد، إذا طولب؛ لأن قدرته متوقعة، وإن جُبَّ ذكره، فلها الخيار بالجب الطارئ على الأصحِّ على ما سَبَقَ في موضعه، وفي الإيلاء طُرُق:
أحدهما: أنه على القولين في الصورة السابقة، إن صحَّحنا الإيلاء هناك فض هاهنا أولى، وإلاَّ بَطَلَ.
والثاني: القطع بأنه لا يبطل.
والثالث: القطع بالبطلان، حكاه الإِمام، والأظهر هاهنا طريقة القولين، لكن الأظْهَر بقاء الإيلاء؛ لأن العَجْز عَرَض في الدوام، وكان قَصْد الإيذاء والإضرار صحيحاً منه في الابتداء، واختار الإِمام بطلانه، وقال: يستحيل بقاء اليمين مع استحالة الحنث، واحتج أيضًا بأنه لو بقي الإيلاء، لكانت المُطَالبة بالفَيْءِ باللِّسان، وهي أن يقول: لولا المانع، لوطئت.
قال: وهذا عندي في حُكْم العبث الذي لا يليق بمحاسن الشرع، وضرْبُ المدَّةِ لذلك فسْخٌ، والأشل ومن بقي من ذَكَره بعد الجب ما دون قدر الحشفة كالذي جُبَّ جميع ذكره، وإذا كانت المرأة رَتْقَاءَ أو قرناء، ففي صحَّة الإيلاء منها الخِلاَف المذْكُور في المجْبُوب.
قال في "الشامل": لكن إذا صحَّحناه، لا تضرب مدة الإِيلاء؛ لأن الامتناع بسبب من جهتها، كما إذا آلى عن الصغيرة، لا تضرب المدة حتَّى تدرك، وحُكِيَ عن أبي حنيفة أنه تُضْرَب المدَّة عقيب الإيلاء، وهذا قضية ما أورده في الكتاب في الباب الثاني على ما سيأتي، وفي شرح "مختصر الجُوَيْني" حكايةُ قول عن القديم: أنه لا يَصِحُّ الإيلاء عن الصغيرة والمريضة المضناة لامتناع الجماع كما في الرَّتْقَاء، ويشترط زيادة على الوصفين المذكورين كونه مُحَلَّفاً، فلا يصح إيلاء الصبيِّ والمجنون كطلاقهما, ولا