هناك عذرٌ أو لم يكُنْ؛ لأنه ليس فيه إيذاء وإضرار بنصب مانع من الوطء، فإذا حلف لا يطؤها أكثر من أربعة أشهر، ثم طالبته بالوطء بعد أربعة أشهر، فوطئ لزمه الكفارة وعن أحمد: أنه يلزمه كفارة اليمين؛ لأنه قد حلف باليمين بالله تعالى، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَليُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ"، وفي القديم قولان:
أحدهما: هذا.
والثاني: أنه لا كفارة عليه؛ لأن الإيلاء باقتضاء الفيئة أو الطلاق مُنْتَزَع من حُكْم الأيمان؛ فكان التضييق عليه الفيئة أو الطلاق قائم مقام المؤاخذة، أيضاً قال الله تعالى:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: ٢٢٦] وذلك يُشْعِر بالعفو، والصفح وانتفاء المؤَاخذة، فإن وطئها قبل مضي المدة، فمنهم من قَطَع بوجوب الكفارة؛ لأنه حانث باختياره غير محمول عليه، والوعدُ، والمغُفرةُ في الآية مرتَّب على الفيئة بعد المدة، ومنهم من أجرى فيه الخلاف، وقال: إنه مُبادِر إلى التدارك، معجِّل لم يُطَالَب به في ثاني الحال، فاستحق التخفيف، ولو حَلَف على ألاَّ يطأها أربعة أشهر فما دونها، ثم وطئ، فعليه الكفارة؛ لأنه لَيْس بمُولٍ؛ وفي "البسيط" و"الوسيط" أن بعضهم أجرى الخلاف فيه وهو ضعيف.
وهل يختص الإيلاء باليمين بالله تعالى وصفاته؟ فيه قولان:
القديم، وهو رواية عن أحمد: نعم؛ لأنه المعهود من إيلاء الجاهلية، وإنما غَيَّر الشرح حُكْمَه لا صورته.
والجديد أنه لا يختص به، بل إذا قال: إن وطئتك، فعبدي حرٌّ أو فأنت طالقٌ، أو ضَرَّتك طالقٌ، أو قال: فلله عليَّ إعتاق رقبةٌ، أو صومٌ، أو صلاةٌ، كان مُولِيًا؛ لأن العتق والطلاق المعلقان بالوطْء ينزلان لو وطئ، وإذا علق قُرْبَةٌ، تلزمه إمَّا كفارة اليمين، أو الوفاء بالملتزم أو يتخير بين الأمرين على ثلاثة أقوالٍ مذكورة في "كتاب الأيمان"، وإذا كان كذلك، كان ما يلزمه بالوطْء مانعًا له من الوطء، وكان هو بِتَعَلُّقِ المحْذُور به مُضِرًّا بها، فينبغي أن يثبت لها المطالبة بالفيئة أو الطلاق، كما لو حَلَف بالله تعالى؛ ولأن جميع ذلك يُسمَّى يميناً، فتناوله إطلاق آية الإيلاء، وبنى هذا الخلاف بعضهم على الخلاف في أنه إذا حَلَف بالله تعالى، ثم وَطِئَ، هل تلزمه كفارة يمين؟
إن قلنا: نعم، انعقد الإيلاء بهذه الالتزامات؛ لتعلق محذور بالوطء، وإن قلنا: لا، وتبعنا المعهود، لم يُحْكَم بانعقاد الإيلاء بها، وذكر بناء على هذا البناء أنه يلزمه تخريج قوله "في القديم على موافقة الجديد" لأن له في لزوم الكفارة قولَيْن: