للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن يُطَالَب عند إنقضائها بالفيئة أو الطلاق، وإذا قُدِّر الامتناع بأربعة أشهر فما دونها، كانَتِ اليمين منحلَّة بعد الأربعة، ولا مطالبة بَعْد انحلال اليمين كما إذا امتنع عن غير يمين.

قال الأصحاب: وإنما تقدر المهلة بهذه المدة، ولا تَتَوجَّه المطالبة إذا حَلَف على الامتناع أربعة أشهر فما دونها؛ لأن المرأة تصبر على الزَّوْج مدة أربعة أشهر، وبعد ذلك يَفْنَى صبرها أو يشق عليها الصَّبْر، ورووا أن عمر -رضي الله عنه- كان يطوف ليلاً، فسمع امرأة تقول في جوف بيتها [الطويل]:

أَلاَ طَالَ هَذَا اللَّيْلُ وَأزْوَرَّ جَانِبُهْ ... وَأَرَّقَنِي أَنْ لاَ خَلِيلَ ألاَعبُهْ

فَوَاللهِ لَولاَ اللهُ لاَ شَيْءَ فَوقَهُ ... لَزُعْزعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ

مَخَافَةُ رَبِّي وَالحَيَاءُ يَصُدُّنِي ... وأُكرِمُ بَعْلِي أنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهْ

فبحث عمر -رضي الله عنه- عن حالها، فأخبر أن زوجها غائب فيمن غزا فسأل عُمَر -رضي الله عنه- النساء كم تصبر المرأة عن زوْجها؟ تصبر شهراً؟ فقلْنَ: نعم، فقال: تصْبِر شهْرَيْن؟ فقلن: نعمْ، فقال: ثلاثة أشهر؟ فقلن: نعم، ويقلُّ صبرها. قال: أربعة أشهر؟ قلن: نعم، ويفْنَى صبرها، فكتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابُوا عن نسائهم أربعة أشهر؛ أن يردوهم، وروي أنَّه سأل عن ذلك حفْصة -رضي الله عنهما-، فأجابت (١) بذلك قال الإِمام: وإذا زاد مدَّة الامتناع على أربعة أشهر، اكتفى بأقلِّ القليل، ولا يعتبر أن تكون الزيادة بحَيْث تتأتى المطالبة بمثلها، وإذا كانت الزيادة لحْظةً لطيفةً، لم تتأت المطالبة؛ لأنها إذا مضَت، تنحل اليمين، [ولا مطالبة بعْد انحلال اليمين]، وأثَّر كونه مُولِياً، والصورةُ هذه أنَّه يأْثَم بإيذائها والإضرار بها، يقْطَع طمعها


(١) قال الحافظ: قلت: لم أقف عليه مفصلاً هكذا، وإنما روى البيهقي في أوائل كتاب السير من رواية مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر فذكره بمعناه، وفيه الشعر، فقال عمر لحفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر، كذا ذكره بالشك، ورواه ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن دينار، فأرسله، وجزم بستة أشهر، قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم منهم ابن سمعان، قال بلغنا أن عمر فذكره، وقال: نصف سنة، فكان لا يجهز البعوث ويقفلهم في ستة أشهر، ورواه الخرايطي في اعتلال القلوب من طرق منها، عن سعيد بن جبير وفيها يقولون: إن هذه المرأة هي أم الحجاج بن يوسف، قلت: ولا يصح ذلك، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني من أصدق أن عمر بينا هو يطوف سمع امرأة فذكره، فقال: مالك؟ قالت: أغزيت زوجي منذ أربعة أشهر، فسأل حفصة فقالت: ثلاثة أشهر وإلا فأربعة، فكتب عمر: لا يحبس أكثر من أربعة، ورواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن زيد بن أسلم، فقالت حفصة: أربعة أشهر أو خمسة أشهر أو ستة أشهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>