موافقةُ القديم، ويجوز أن يُعلَم؛ لما ذكَرْنا قوله في الكتاب "أنَّه يُحْبَس" بالميم وقولُه "إن القاضي يُطَلِّق" بالألف، ويجوز إعلام كليهما بالحاء؛ لما مرَّ أن عند أبي حنيفة أن الطَّلاق يقع بمضيِّ المدَّة، ولو أنَّه لم يبد الإيلاء ولكنه استمهل؛ ليفيء، فلا خلاف أنه يُمْهل بقدر ما يتهيَّأ لذلك الشُّغل، فإن كان صائماً، فيمهل إلى أن يُفْطِر، وإن كان جائعًا، فحتى يَشْبَع، وإن كان ثقيلاً من الشبع، فحتى يخِفَّ، وإن كان يغلبه النُّعاس، فحتى يزُولَ ما به، ويحصل التهيؤ والاستعداد في مِثْل هذه الأحوال في قدر يوم فما دونه، وهل يُمْهَل ثلاثة أيام؟ فيه قولان يقال وجْهان: أحدهما: نعم؛ لأنها مدة قريب، وقد ينتظر فيها نشاطًا وقوةً.
الثاني: المنع؛ لأن الله تعالى قدَّر مدة الإيلاء بأربعة أشهر، فلا يزاد عليها؛ ولأنه حق حَلَّ عليه، فلا يُمْهَل أكْثَر من قَدْر الحاجة، والأصحُّ عند صاحب الكتاب الأول، وعنْد أصحابنا العراقيين الثاني، وهو اختيار المزنيِّ، وقضية إيراد صاحب "التهذيب" وإذا أمُهَلَه ثمَّ طلَّق علَيْه في المدة، لم يقع الطلاق إن وجدت الفيئة في مدة المُهْلة، وإن مَضَت المدة بلا فيئة، ففيه وجْه أنَّه ينْفُذ، والظاهر المَنْع، وهو المذكور في الكتاب؛ لتظْهَر فائدة الإمْهَال، ويخالف ما إذا أَمْهَل المُرْتَدَّ ثم قَتَله القاضي أو غَيْرُهُ، فإنه يكون قتله هَدَرًا؛ لأنه لا عصمة له، والقتل الواقع لا مدْفَع له، وأما الطَّلاَق، فهو قابِلٌ للرَّدِّ والإبطال، قال الإِمام -رحمه الله- وفي التصوير عُسْر، فإنَّ طلاَق القاضِي قد استند (١) إلى رأْيه في الإمهال، وإذْ كَانَ كَذَلِك، فالطَّلاق يَنْفُذ اتباعاً لاجتهاده، والكلام في الإمهال ثلاثاً، يجري في قَتْل تارك الصلاة، وفي الأخْذ بالشُّفعة، وخيار العتق والعُنَّة والفسخ، بالإعسار واستتابة المرتد.
فَرُوعٌ: ذكرها القاضي ابن كج لو طلَّق القاضي عليه، ثُمَّ ثبت أنه قد وَطِئ قَبْل ذلك، تبيَّن أن الطلاق لم يقع، وكذا لو تبيَّن أنه طلَّق قبل طلاق القاضي، لم يقَعْ طلاق القاضي، ولو وقَع طلاق الزوج، والقاضي معاً، نفذا؛ لأن كل واحد منهما فعل ما له أن يَفْعَلَه، وحكى وجْهًا آخر: أنَّه لا ينْفُذ طلاق القاضي؛ لأنه إنما يُطْلَق إذا امتَنَع الزَّوج ولم يمتنع.