للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلاَقُ بَيْنَهُمَا يَصِحُّ الظِّهَارُ فَيَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ (ح) وَالظِّهَارُ عَنِ الرَّجْعِيَّةِ وَتَكُونُ الرَّجْعَةُ عَوْدًا* وَيَصِحُّ ظِهَارُ المَجْبُوبِ بِخِلاَفِ الإِيلاَءِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: ظاهَرَ أوس بن الصَّامِتَ -رضي الله عنه- عن زوجته خولة بنت ثَعْلَبَة على اختلاف في اسمها، ونسبها، فأتَتْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشتكيةً منه، فأنزل الله تعالى [فيها] قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة: ١] إلى آخر الآية .. ، وصورة الظهار الأصلية: أن يقول لامرأته: أنْتِ عليَّ كظهر أمِّي، ومن لفظ الظَّهْر أُخِذ الظِّهار، ويقال: ظَاهَرَ من امرأته، وتظهَّر وظَهَّر تظهيرًا، كلُّها بمعنى، وكان الظِّهار طلاقًا في الجاهلية كالإيلاء، ويقال: كان أحدهم إذا كره صُحْبة امرأته، ولم يرد أن تتزوج بغيره، آلَى عنها أو ظاهر، فتبقى محبوسةً عنده لا ذات زوج يستمتع بها ولا خليَّة تنكح غيره، وهذا يُشْعِر بأنَّه كان كلُّ واحد من الإيلاء والظِّهار عنْدهم طلاقًا من وجْه دون وجْه، وكيفما كان، فقد غيَّر المشرع حُكْمه على ما سيأتي بيانه، والظِّهار حرامٌ، قال: الله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢]

قال الأئمَّة: وليس قولُه: "أنتِ عليَّ حرامٌ" محرمًا؛ وإنما هو مكروه؛ لأن الظهار علّق به الكفارة العظمى، والمعلّق بالحرام كفارة اليمين، واليمين والحنث ليسا محرمَيْن، وأيْضًا، فالتحريم مع الزوجية قد يجتمعان، والتحريم الذي هو كتحريم الأم


= وكان الظهار معروفًا في الجاهلية، وكانوا يعتبرون قول الرجل لمن تحل له "أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي" محرَّمًا لها على الأبد لا تحل له أصلاً بعد ذلك، فلما جاء الإِسلام، وَظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ من امرأته خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، ودعاها إليه بعد ظهاره، فقالت له: والذي نفس خولة بيده لا تَصِلْ إليَّ، وقد قلت ما قلت، حتى يحكم اللهُ وَرَسُولُهُ، وأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت له: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَوسًا تَزَوَّجَنِي، وأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فيَّ، فَلَمَّا خَلاَ سِنِّي، وَنَثرتْ بَطْنِي جَعَلَنِي عَلَيْهِ كَأُمِّهِ، وَتَرَكَنِي إِلَى غَيرِ أَحَد، فإن كنت تجد لي رخصة تنعشني بها، وإياه، فحدثني بها. فَقَالَ لَهَا عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَا أَرَاكِ إِلاَّ قَدْ حُرِّمْتِ عَلَيْهِ". فَجَادَلَتِ النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت له ما ذكر طلاقًا، وقعدت بعد ذلك مرارًا. ثم قال: اللَّهُمَّ إني أشكو إليك فاقتي، وشدة مالي، فأنزل على لسان نبيك.
فأنزل الله -سبحانه وتعالى-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ...} الآيات إلى أن قال: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ..} الآية.
فكانت هذه الآيات حَدًا فاصلاً بين ما كان عليه أهل الجاهلية من جعل الظهار طلاقًا مؤبدًا، وما عليه الإِسلام من اعتبار الحرمة فيه مؤقتة تزول بفعل الكفارة؛ ولقد بين الله -سبحانه وتعالى- كفارة الظهار، وذكر لها أنواعًا ثلاثة مرتبة لا يتنقل المكفر فيها من الخصلة الأولى إلى الثانية، إلا بعد العجز عن الأولى، ولا من الثانية إلى الثالثة، إلا بعدم استطاعة الثانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>