للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في الكتاب "وأراد مجرَّد الطَّلاق أو مجرد الظِّهار كان كما نوى" مُعْلَم بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة -رحمه الله- إذا نوى به الطَّلاق، لمْ يَكُن كما نوى، وبالواو؛ للقول الموافق له. وأيضًا فقد حكَيْنا في قوله "أنْتِ عليَّ حرامٌ" وجهًا أنه لا يصلُح كناية عن الطَّلاق، إذا فرَّعنا على أنَّه صريحٌ في التزام الكفارة، وذلك الوجْه عائد هاهنا، وقضية ذلك الوجْه أن لا يُجْعَل كنايةً عن الظِّهار أيضًا، والله أعلم.

الثالثة: إذا نوى الطَّلاق والظهار جميعًا، فيُنْظر؛ إن أرادهما بمجموع الكلام أو بقوله "أنتِ عليَّ حرامٌ" لم يثبتا جميعًا؛ لاختلاف توجيههما، وفيما يثبت ثلاثة أوجه:

أحدها، وبه قال ابن الحدَّاد قال الشيخ أبو علي، ووافقه الجمهور: أنه يُخيَّر؛ فما اختاره ثَبَت، والثاني: أنه يقع الطَّلاق؛ لأنه لا سبيل إلى إبطالهما جميعًا، كما لا سبيل إلى إثباتهما جميعًا، فيثبت ما هو أقوى، وهو الطَّلاق، والثالث: أنه يَثْبُت الظِّهار؛ لأن قوله: أنت عليَّ حرامٌ، يحتملها جميعًا، فهذا نواهما تعارضَا وتَسَاقَطَا وقوله بعد ذلك "كظهر أمي" لا صريحُ لفْظ الظِّهار، فثَبَت.

وإن أراد بقوله: أنتِ عليّ حرام، الطلاَق، وبقوله: كظهر أُمِّي الظِّهار، وقع الطَّلاق، ويصح الظِّهار أيضًا إن كان الطَّلاق رجعيًّا، وإن كان بائنًا، لم يصِحَّ، ولفظ الحرام مع نيَّة الطَّلاق كقوله: أنتِ (١) طالقٌ كظَهْر أمي، والوجه المذكور هناك -أن الظِّهار لا يَحْصُل؛ لأن قوله: كظهر أمي، غيْر مفيد وحْده- عائدٌ هاهنا، ولو عَكَس فقال: أردتُّ بقولي: أنْتِ عليَّ حرامٌ، الظِّهَارَ، وبقوله: كظهر أمي، الطَّلاق، صحَّ الظِّهار، ولم يقع الطَّلاق؛ لأن لفْظ الظِّهار صريحٌ في معناه، لا يُجْعل كنايةً عن الطَّلاق، وعن الشيخ أبي محمَّد وغيره: أنه يقع الطَّلاق؛ لأن قوله: كظهر أمي، لعدم الاستقلال قَدْ خَرَج عن كونه صريحًا في الظِّهار، كما تقدَّم، فأمكن (٢) أن يُجْعل كنايةً عن الطَّلاق، وليُعْلَمْ؛ لما حكينا قوْله في الكتاب "لم يحصل الطَّلاق" بالواو، وكذا قوله "كان كما نوى" فيما إذا قال: أردتُّ بالحرام الطَّلاق، وبآخر الكلام الظِّهار؛ لأن على الوجه الذاهب إلى أنَّه لا يَصِحُّ الظِّهار، لا يكون الأمْرُ كما نَوَى، ثم قوله "كان كما نوى" محمول على ما إذا كان الطَّلاق رجعيًّا غَيْر مُجْرى على إطلاقه، وفي "تعليق" الشيخ أبي حامد -رحمه الله- وغيره؛ أنه إذا نوى الطَّلاق والظهار جميعًا، فيبنى على ما إذا نوى الطَّلاق وحْده، إن قلْنا: إنه يكون ظهارًا، فكذلك هاهنا، وإن قلنا: إنَّه يكون طلاقًا هناك، فهاهنا يكُون مطلّقًا مظاهرًا، وذكر في "المهذب" مثل ذلك، إن كان الطَّلاق بائنًا، فإن كان رجعيًّا، قال: يكون مطلِّقًا ومظاهرًا، فإن كان ما ذكروه شاملاً لما


(١) في أ: عَليَّ.
(٢) في أ: وأمسكن أن.

<<  <  ج: ص:  >  >>