للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يكون عائدًا؛ لأنه كان مشغولاً بسبب الفراق، وقوله في الكتاب "أو باللعان عنها عقيبه" يُشْعر ظاهره بأنَّه لا بأس بتَأَخُّر جميع كلمات اللِّعَان، فإن اللعان يقع على جميعها، وهو الوجْه الأظهر، ويجوز أن يُعْلم بالواو؛ للوجه الصائر إلى أنَّه لا يجوز أن تتأَخَّر جميع الكلمات، وقولها "أو رَفْع الأَمْرِ إِلَى القَاضِي" إلى آخره إشارةٌ إلى الخلاف في أن المرافعة إلى القاضي، هَلْ يشترط تقدُّمها؟ ومن شَرَط تقدُّم المرافعة، فيشترط تقدُّم القذف لا محالة، ومَنْ لم يشترط تقدُّم المرافعة، جوز آخرًا تأخير القذْف أيضًا.

فرْعٌ: لو قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي، يا زانية، أنْتِ طالقٌ، ففيه وجهان:

قال ابن الحدَّاد: هو عائدٌ؛ لأنه مُمْسِك لها حالَة القذف، وكان قادرًا على أن يُطلَّقها بدَلاً عنه.

قال الشيخ أبو عليٍّ: هذا صحيحٌ، إن لم يُلاَعِن بعْده، وكذا إن لاَعَن جوابًا على أنَّه يُشْتَرط سبْق القذف، فاما إذا لم يَشْترط، فلا يكون عائدًا؛ لأن الاشتغال بالقَذْف، ثم بالمرافعة واللعان اشتغالٌ بأسباب الفراق.

والوجْه الثاني: أنه لا يكون عائدًا، ويكون قوله "يا زانية، أنتِ طالقٌ" كقوله "يا زينبُ، أنتِ طالقٌ" في منْع العود، وتردَّد الإِمام في أن ابن الحدَّاد هل تَسْلَم [له] (١) هذه الصُّورة (٢) الثالثة.

لو علَّق طلاقها عقيب الظِّهار بصفة، كان عائدًا؛ لأنه أخَّر الطلاق مَعَ إمْكان التعجيل، فكان ممسكًا لها إلى أن توجَدَ الصِّفَة، ولو كان قدْ علَّق الطلاق بدخوله الدار، ثم ظاهر، وبادر عقب الظِّهار إلى الدخول، لم يكُنْ عائدًا لتحقيقه الفراق.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ طَلَّقَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ رَاجَعَ فَعَيْنُ الرَّجْعَةِ عَوْدٌ* وَلَوْ ارْتَدَّ فَعَيْنُ الإِسْلاَمُ لَيْسَ بِعَوْدِ* وَكَذَلِكَ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ جَدَّد النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا وَإِنْ قُلْنَا بعَوْدِ الحِنْثِ مَهْمَا طَلَّقَ عَقِيب النِّكَاحِ وَالإِسْلاَمِ* وَفِيهِمَا وَجْهٌ أنَّهُ كَالرَّجْعَةِ* وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَفَعَلَ وَلَمْ يَعْرِفْ لاَ يَصِيرُ عَائِدًا حَتَّى يَعْرِفَ وَلاَ يُطَلِّق عَقِيبَهُ* وَإِنْ عَلَّقَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَفَعَلَ وَلَمْ يُطَلَّقْ كَانَ عَائِدًا وَإنْ كَانَ قَدْ نَسِيَ الظِّهَارِ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي نِسْيَانِ الظِّهَارِ* وَمَهْمَا عَادَ وَلَزِمَتِ الكَفَّارَةُ لَمْ يَسْقُطْ بِالطَّلاَقِ المُبَين بَعْدَهُ* وَلَوْ جَدَّدَ النِّكَاحَ كَانَ التَّحْرِيمُ مُسْتَمرًا وإنْ لَمْ نْقَضْ بِعَوْدِ الحِنْثِ لأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ سَبَقَ* وَلَوِ اشْتَرَاهَا فَفِي تَحْرِيمهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ خِلاَفٌ.


(١) سقط في ز.
(٢) قال النووي: تردد الإِمام ثم قال: والأصح التسليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>