للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: مهما عاد المظاهر فلَزِمَت الكفارة، ثم طلَّقها طلاقًا بائنًا أو رجعيًّا، لم تَسْقُط الكفارة، وكذا لو مات أحَدُهما، أو فسخ النِّكَاح، فإن كان لوجود شيْء منْها عقيب الظهار، مُنِع وجوب الكفارة؛ لأنها إذا وجدت عقيب الظهار، لم يحْصُل شرط الوجوب، وهو العَوْد، ولو جدَّد النكاح بَعْد البينونة، استمر التحريم إلى أن يُكَفِّر، سواء حكَمنا بعَوْد الحنث (١)، أو لم نحْكم، وليس كما إذا طلَّقها عَقِيب الظِّهار، ثمَّ جدَّد النكاح، فإنَّ عود الظهار وأحكامه يُبْنَى على الخلاف في عود الحنث؛ لأن التحريم هاهنا قَدْ حَصَل في النكاح الأول، وقد قال تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٢] فلو كانت الزوجة رقيقة، وحَصَل العود، ثم اشتراها، فهل تحِلُّ قبْل التكفير بمِلْك اليمين فيه وجهان:

أصحهما: المنع، ووجُّه الثاني، بأن الظهار لا يَصِحُّ في ملْك اليمين، فلا يتعدى (٢) تحريمه إليه، وهذا الخلاف كالخلاف فيما إذا طلق زوجته الأمة ثلاثًا، ثم ملكها هل تَحِلُّ له بملك اليمين؟

قَالَ الغَزَالِيُّ: (فرُوعٌ: الأَوَّلُ) لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيّ كَظَهْرِ أُمِّي خَمْسَةَ أَشْهُرَ قِيلَ: إِنَّهُ يَلْغُو التَّأقِيتُ* وقيل: يَصِحُّ مُؤبَّداً كَالطَلاقَ وَقِيلَ: يَصِحُّ مُؤَقتًا وَهُوَ الأصَحُّ* ثُمَّ لاَ يَكُونُ عَائِدًا بِمُجَرَّدِ الإِمْسَاكِ لأَنَّهُ يَنْتَظِرُ حلاً بَعْدَ المُدَّةِ وَلَكِنْ بالوَطْء قَبْلَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ يَصِيرُ عَائِدًا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الوَطْءُ* فَإِنْ وَطِئ فَعَلَيْهِ النَّزْعُ عَقِيبَهُ* وَقِيلَ بِالوَطْءِ يَتَبَيَّنُ العَوْدُ عَقِيبَ الظِّهَارِ فَيَكُونُ الوَطْءُ الأَوَّلُ أَيْضًا حَرَامًا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أقَّت الظهار، فقال: أنتِ عليَّ كظَهْر أمِّي يومًا أو شهرًا، أو قال: إلى شَهْر أوْ إلى سَنَةٍ، ففي صحَّته قولان:

أصحهما، وبه قال أبو حنيفة وأحمد: [أنه] صحيحٌ؛ لأنه منْكَرٌ من القول وزور، كالظهار المُطْلَق، وأيضًا فرُويَ أن سلمة بْن صَخَرْ -رضي الله عنه- ظاهَرَ من امرأته حتَّى ينسلخ رمضانُ ثُمَّ وطئها في المدَّة، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بتَحْرير رقبة (٣).

والثاني: المنع؛ لأنه لم يُؤَيِّد التحريم، فأشبه ما إذا أشبهَها بامرأة لا تَحْرُم عليه على التأبيد.

وبُنِيَ القولان على أنَّهُ يُتْبَع في الظهار المَعْنى أو يُنْظَر معْهُود الجاهلية، وَينْتَسِب الصحَّة إلى الجديد، والمنع إلى القديم، واستحسن الإِمام أن يقال: لا يصحُّ في القديم، وفي الجديد قولان؛ بناءً على أنَّه يغلب في الظهار مشابهة الطلاق أو مشابهة


(١) في أ: بحنث العود.
(٢) في أ: ولا.
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>