للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: يُعْتَبَر فيٍ الرقَبَة؛ ليجزئ إعتاقها عن الكفَّارة، أربَعَةُ قُيُودٍ: الإيمان, والسَّلاَمة، وكمال الرِّقِّ، والخُلُوُّ عن العِوَض، وهذا ما ضَبَطه بقَوْله: "ولا يجزئ في الظِّهَّارِ" إلى آخره، والكلام في هذه القُيُود يأْتي على الأثر في فُصُول، ولو قَدَّم صاحب الكتاب القوْل في النية، ثم اشتغل بذِكْر الضابط، وشَرْحِ قيُودِه، لكان أحْسَنَ، ويجوز أن يُعْلَمَ قيْد "الإيمان" بالحاء؛ لما سنذكره.

وقوله: "ولا يجب تعْيين الجِهَات" بالحاء؛ لأنه يعتبر التعيين عند اختلاف الجنْس. وقوله: "يصح الإعتاقُ والإطْعَامُ من الذِّمِّيِّ بغير نية" التَّقَرُّب وأما نية التمييز، فيشبه أن تعتبر كما في قَضَاء الديون.

وقوله: "تغليبًا لجهة الغرامات" أشار به إلى ما ذَكَره الإِمام -رحمه الله- أن الكفَّارة فيها معْنَى العبادات؛ لما يتعلق بها من الإرفاق في سد (١) الحاجات، وفيها معْنَى المؤاخذات والعقوبات، وغرضها الأظْهَر الإرفاق، وما يناط بسببين يستَقِلُّ بالأظهر منهما؛ [كالحد] (٢)؛ فإنه مُمَحِّضٌ، وزاجرٌ، ويجب على الكافر زجْرًا، وإن لم يكن مُمَحِّطًا، ويخالف الزكاة؛ فإنها وظيفةٌ لمحاويج المسلمين على أغنيائهم، والكافر لم يلْتَزِم ما سِوَى الجِزْية، فلا يَحْسُن أن يحملَ كَلَّ المسلمين.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلاَ نَعْنِي بِالسَّلِيمَةِ السَّلاَمَةَ عَنِ العُيُوبِ القَادِحَةِ في المَالِيَّةِ بَلْ مَا يُؤَثِّرُ فِي العَجْزِ عَنِ العَمَلِ تَأْثِيرًا ظَاهِرًا* فَلاَ يُجْزِئُ الزَّمِنُ وَالأَقْطَعُ (ح) وَالأَعْمَى وَالمَجْنُونُ وَالهَرِمُ (و) العَاجِزُ وَالمَرِيضُ الَّذِي لاَ يُرْجَى زَوَالَهُ* فَإنْ زَالَ هَلْ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهُ مَوْقِعَهُ؟ فِيهِ خِلاَفٌ* وَيُجْزئُ الأَقْرَعُ وَالأَعْرَجُ وَالأَعْوَرُ وَالأَصَمُّ وَالأَخْرَسُ (ح) الَّذِي يَفْهَمُ الإِشَارَةَ* وَمَقْطُوعُ أَصَابِعِ الرِّجْلِ (ح) * وَمَقْطُوعُ أُنْمُلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ اليَدِ لاَ مِنَ الإبْهَامِ* وَمَقْطُوعُ الخِنْصَرِ أَوِ البِنْصَرِ* دُونَ مَقْطُوعِهِمَا جَمِيعًا مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ* وَدُونَ مقْطُوعِ الإِبْهَامِ وَالوْسُطَى أَوِ المُسَبِّحَةِ* وَيُجُزِئُ المَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ* فَإِنْ مَاتَ فَفِي لُزُومِ الإِعَادَةِ خِلاَفٌ* وَيُجْزِئُ الصَّغِيرُ* وَلاَ يُجْزِئُ الجَنينُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: القيد الأول من القيود المُعْتَبَرَة في الرَّقَبة الإيمان؛ فلا يجوز إعتاق الكافرة في شَيْء من الكفارات، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يجوز إلا في كفَّارة القتْل؛ لأن الله تعالى قال فيها: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}.

لنا قياس غير كفَّارة القَتْل علَيْها، وحمل الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- المُطْلَق على


(١) في أ: وسد.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>