للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يختص بشريعتنا، هل يكون ذلك إسلامًا؟ وقال ميل معظم المحققين إلى كونه إسلاماً، وعن القاضي حُسَيْن أنه قال في ضبْطه: كُلُّ ما يَكْفره المُسْلم بِجَحْدِهِ، يصير الكافر المخالف له مسلماً بِعَقْدِهِ، ثم إن كَذَّب غير ما صُدِّقَ به، كان مرتدًّا، والظاهر من المذهب (١) ما سَبَق.

واستحب الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- أن يُمْتَحَن الكافر عنْد إسلامه؛ بالإقرار بالبَعْث بَعْد الموت.

القيد الثاني: السلامة عن العُيْوب، وليس النظر هاهنا إلى العُيُوب التي يثْبُت بها الرَّدُّ، وتعتبر السلامة عنْها في غرة الجنين، وإنما المُؤَثِّر العيوب الَّتي تُخِلُّ بالعمل والاكتساب، وتضر به ضررًا بيِّنًا، وذلك لأنَّ المَقْصود هناك المالية، فيؤثر ما ينقصها (٢)، والمقصود من العتق تكميل حاله؛ ليتفرغ للعبادات، والوظائف المخصوصة بالأحرار، وإنما يحصل هذا الغَرَض، إذا استقل وقام بكفايته، أما إذا لم يَكُنْ كذلك، لم يتفرَّغْ، وصار كَلاًّ على نفسه أو غيره، وهذا أصْلُ الفَصْل، وعليه تنبني صورة أخرى وضْعًا، فلا يجزئُ الزَّمِنُ لعَجْزه، ولا يلحق به نِضْوة الخلق الَّذي يقدر على العَمَل، ولا يجزئ مقطوع اليدين أو إحداهما, ولا مقطوع الرِّجْلين أو إحداهما, ولا المجنون إن كان جنونه مطبقًا، وإن كان منقطعًا، فكذلك، إن كان زمان جنونه أكثر، ويجزئ إن كان زمان الإفاقة أكثر، وإن تساويا فوجهان، حكاهما القاضي ابن كج وغيره، وعن الداركيّ المنع. والأظهر (٣) الجواز [ويجزئ الأحمق، وفُسِّر بأنه الذي يضع الشيء في


(١) ما حكاه عن القاضي الحسين لم يحكه على وجه فإنه قال: يستثنى منه مسألة واحدة فإن اليهودي إذا قال: عيسى رسول الله لا يحكم بإسلامه؛ لأن قوماً من الكفار وهم النصارى يقولون به، والمسلم إذا جحد نبوة عيسى كفر. انتهى.
وقال النووي شرح المهذب في الكلام على إمامة الكافر: وحكى الخراسانيون وجهاً أنه إذا أقر الكافر بوجوب صلاة أو زكاة حكم بإسلامه بلا شهادة وضابطه على هذا الوجه أن كل ما يصير المسلم كافراً بجحده يصير الكافر مسلماً بإقراره به والصحيح المشهور لا يصير، وقد يشهد لما قاله القاضي ما في الصحيح عن عائشة قلت: يا رسول الله ابن جدعان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين أتنفعه قال: لا إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين فقوله إنه لم يقتضي أنه لو قال ذلك نفعه العمل وذلك يستلزم ثبوت الإِسلام.
(٢) في أ: في ما يقصد ببعضها.
(٣) قال النووي: هذا الذي ذكره فيمن يجن ويفيق، هو المذهب. وفي "المستظهري" وجه إنّه لا يجزئ وان كانت إفاقته أكثر، وهو غلط مخالف نص الشَّافعي والأصحاب والدليل.
واختار صاحب "الحاوي" طريقة حسنة فقال: إن كان زمن الجنون أكثر، لم يجزئه، وان كانت الإفاقة أكثر، فإن كان يقدر على العمل في الحال، أجزأ، وإن كان لا يقدر على العمل إلا بعد حين، لم يجزئ. قال: ويجزئ المغمى عليه؛ لأن زواله مرجو.

<<  <  ج: ص:  >  >>