للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهْل المروءات، ومنْصِبه يأبى أن يخدم نفسه، ويباشر له الأعمال الَّتي تُسْتَخْدَم فيها المماليك، فلا يُكَلَّفُ صَرْفَهُ إلى الكفَّارة، وإنْ كَانَ من أَوسَاطِ النَّاس، فوجهان:

أصحُّهما: أنه يلزمه الإعتاق؛ لأنه لا يلْحَقُه ضرر شديدٌ، وإنما يفوته نوع رفاهية، وقال أبو حنيفة ومالك: إذا كان في مِلْكه عبْدٌ يلزمه الإعتاق، وإن كان محتاجاً إلَيْه، ويمكن أن يُخَرَّج فيه وجْه على أصلنا؛ أخذاً من الخلاف في أن العَبْد والمسكِن، هل يباعان في الحج؟ وقد ذكرناه (١) هناك، ولو لم يكن في مِلْكه عَبْدٌ، ووجد ثمنه، لزمه تحصيله والإعتاق، ويشترط أن يكون فاضلاً عن حاجته؛ لنفقته وكسوته ونفقة عياله وكسوتهم، وعن المَسْكن وما لاَ بُدَّ منه من الأثاث، ولم يُقدِّروا للنفقة والكسوة مُدَّةً، ويجوز أن تعتبر كفاية العُمْر، ويجوز أن يعتبر سَنَة؛ لأن المؤمنات تتكرَّر فيها، ويجدد الإعداد لها، وقد يؤيِّده أن صاحب "التهذيب" قال: يُتْرَك له ثَوْب الشتاء وثوب الصيف (٢)، ويخالف المفلس؛ حيْثُ لا يترك له إلا دست ثوب لا المسكن ولا الخادم؛ لما سَبَق في "التفليس"، وعند مالك ثمن العَبْد يُصْرف في الإعتاق، وإن كان محتاجاً إلى الثمن، ولو مَلَك دارًا واسعةً يفضل بعْضها عن حاجته، وأمْكَن بيْعُ الفاضل، لَزِمه البيع وتحصيل رَقَبةٍ يُعْتقها, ولو مَلَك داراً نفيسة؛ يجد بثمنها مسكناً يكفيه، ويفضل ثمن [عبد] (٣) أو كان له عبْد نفيس يَجِدُ بثمنه عبْدًا يخدمه، وآخر يُعْتِقه، لَزِمَه البيع والإعتاق، [إن] (٤) لم يكونا مألوفَيْن، وإن كانا مألوفين، فوجهان:

أظهرهما: المنع، وجواز العدول إلى الصَّوم؛ لعُسْر مفارقة المألوف.

والثاني، هو الذي أورده ابن الصَّبَّاغ: أنه يلزمه البَيْع والإعتاق، كما لو كان له ثَوْب نفيس يجد بثمنه ثوباً يليق به وعبْدًا يُعْتقه، وحكى صاحب "التتمة" وغيره طَرْدَ الخلاف [في] (٥) الثوب، والجوابُ المَشْهور في الحَجِّ: أنه يلزمه البَيْع للحج، والحالة


(١) في أ: ذكره.
(٢) قال النووي: هذا الثاني، هو الصواب. والله أعلم.
قال الأذرعي: لا نقل عندهما في المسألة واعتبار الكفاية على الدوام صرح به في الشامل في كتاب الإيمان ونقله المحاملي وغيره عن الأصحاب وصرح به جماعة وأحسبه إجماع العراقيين وصرح الحمراني هنا بذلك في مواضع، ثم قال: واعتبر الماوردي كفاية وقته لا غير. وقضية كلام صاحب الشامل وجماعة أنه يستر هنا التي يحرم معها أخذه الزكاة فيخرج عن كلامهم وجه في اعتبار كفاية السنة وبه صرح البغوي في فتاويه وجعله كالزكاة وهو قضية ما في تعليقه وتهذيبه، ونص البويطي هنا يقتضي أنه لا يعتبر في النفقة إلا يوم الكفاية .. إلى أن قال فتحصلنا على وجوه لا يلتئم القول مع القول باعتبار كفاية سنة فضلاً عن كونه هو الصواب. انتهى.
(٣) سقط في ز.
(٤) سقط في ز.
(٥) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>