للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه وكأن الفَرْق أن الحَجَّ لا بَدَلَ له والإعتاق له بَدَلٌ يُعْدَل إليه.

ولو كانت له صنيعه أو رأس مال يَتَّجِر فيه، وكان يحْصُل منهما كفايته بلا مزيد، ولو باعهما لتحصيل عبد، لارْتَدَّ إلى حدِّ المساكين، لم يُكلَّف ذلك؛ لأن المصير إلى حالة المسكنة أشدُّ من مفارقة الدار والعبد المألوفين، هذا ما أطلقه أكثرهم.

وقوله في الكتاب "فالظاهر أنه لا يَلْزمه البيعُ، وعلى هذا لا يبعد أن لا يُكَلَّف بَيْع رأس ماله وضيعته" يُشْعِر بإثبات الخلاف فيه، وهو صحيحٌ؛ فإنا ذَكَرْنا في الحج وجهَيْن؛ في أنه هل يلزم بيعهما وصرفهما إلى الحَجِّ، وفي "تعليقة إبراهيم المروزي" ترتيب ما [نحن فيه] (١) على الحجِّ؛ إن قلْنا لا تباع في الحج فهاهنا أَوْلَى، وإن قلنا: تباع هناك، فهاهنا وجْهَين، والفرق أن الكفَّارة لها بَدَلٌ، وفي "المجرَّد" للقاضي أبي الطيِّب -رحمه الله- ذكر وجهَيْن في أن من مَلَك بضاعةً، لا يكفيه ما يحْصُل منها، وتحل له الزكاة، هل يلزمه الإعتاق أم يجوز له العُدُول إلى الصيام، وإذا جاء (٢) الخلاف في المسكين، ففي الذي يخاف المَسْكَنة أوْلَى.

ولو كان ماله غائباً أو لم يجد الرقبة، فلا يجوز العُدُول إلى الصَّوْم في كفارة القتل واليمين والجماع في نهار رمضان، بل يصير إلى أن يَصِلَ إلى المال أو يجد الرقبة؛ لأن الكفَّارة على التراخِي، وبتقدير أن يَمُوتَ لا يَفُوتُ، بل يُؤدَّى من تركته، ويخالف ما إذا لم يَكُنْ عنده ثَمَنُ الماء، حيث يتيمَّم؛ لأن وقْت أداء الصَّلاة مضيِّقٌ، فإن كان [ما] (٣) يؤدِّيه بالتيمُّم القضاء الذي هو على التراخي، فلأنه لا يمكن تداركه بعد الموت، وفي كفارة الظِّهار وجهان: الموافق منهما لإطلاق الكتاب أنه لا يجوز العُدُول إلى الصوم أيضاً، وسياق "التتمة" يُشْعر بترجيحه.

والثاني: يجُوز؛ لتضرُّره بفوات الاستمتاع.

ولو كانت الرقبة تُبَاع بثَمَن غَالٍ لم يلزمه الشراء كما إذا بِيعَ المَاء بثَمَن بأكثر من ثمن المثل (٤). قال صاحب "التهذيب": يلزمه أن يشْتَرِي بثمن غالٍ (٥)، إذا قدَرَ عليه.


(١) في أ: يجب.
(٢) في أ: جاز.
(٣) سقط في ز.
(٤) في ز: غالٍ.
(٥) قال الزركشي: فيه أمران:
أحدهما: ذكر ابن أبي الدم احتمال البغوي أيضاً ثم قال: ولم أره لغيره مع الكشف لكن الأصحاب واتفاقهم على أنه لا يجب الشراء بأكثر من ثمن المثل. انتهى، وهذا الذي نقله عن البغوي هنا صحيح لكن كلامه في باب نكاح الأمة يقتضي أنه المنقول فإنه قال يجب عليه الشراء بالثمن الغالي في الكفَّارة، ولا يجوز له الصوم بخلاف التيمم، والفرق أن التيمم يتكرر ثم قال: وعندي فيه نظر. انتهى. وهذا عكس ما يفهم من كلامه هنا، وحكى ابن الرفعة الخلاف في هذه =

<<  <  ج: ص:  >  >>