إحداهما: تبينَّ أن المُوسِر المتمكِّن من الإعتاق يُعْتِق، ومن يتعسّر عليه الإعتاق، يُكَفِّر بالصوم؛ إذ الاعتبار بحالة الوجُوب؛ لأن الكفَّارة نَوْعُ تَطَهُّرِ يختلف حاله بالرِّق والحرية، فيُنْظَر فيه إلى حالة الُوجُوب كالحَدِّ، وأنه لو زَنَا، وهو رقيق، ثم عَتَقَ أو بِكْرٌ ثم صار محْصنًا يقام علَيْه الأرِقَّاء والأبكار.
والأصح، وبه قال أبو حنيفة ومالك -رحمهما الله-: أن الاعتبار بحَالَةِ الأداء؛ لأنَّ خصَالَ الكفَّارة عباداتٌ، فيراعى فيها حالة الأداء، كما في الوُضُوء، والتيمم، فإن النظر في القُدْرة على استعمال الماء والعَجْز عنه إلى حالة الأداء، وكما في الصلاة، فإن النَّظَر في القُدْرة على القيام والعَجْز عنه إلى حالة الأداء، حتَّى لو عَجَز عن القيام عِنْد الوجوب، وقدر عند الأداء، يُصَلِّي صلاة القادرين، ولو انعكس الحالُ، انعكس الحُكْم، وعبَّر مُعَبِّرون عن الغَرَض بأن القولَيْن مبنيان على أن المُغَلَّب في الكفَّارة شوائبُ العُقُوبات أو شوائب العبادات؟ إن قلْنا بالأول، اعتبرنا حالَة الوجوب، وإن قلنا بالثاني، فحالة الأداء.
والثالث المُخَرَّج: أنه يعتبر الحالة الَّتي هي أغْلَظُ؛ لأنه حقٌّ يجب في الذمَّة بوجود المال، فيراعى أغلظ الأحوال، كالحَجِّ؛ فإنه يجب متى تحقَّق اليسار، وهاهنا كلامان:
أحدُهما: قال الإِمام -رحمة الله عليه-: إذا قلْنا: إن الاعتبار بحالَةِ الأداء، ففي التعبير عن الواجب قبْل الأداء غموض، ولا يتجه إلاَّ أن يقال: الواجب أصْلُ الكفَّارة، ولا تُوصَف خصلة على التعيين بالوجوب، كما يقول بوجوب كفارة اليمين على المُوسِر من غير تعيين خَصْلة أو يقال: يجب ما يقتضيه حالُ الوُجُوب، ثم إذا تَبدَّل الحال، تَبدَّل الواجب، كما أنه يَجب عَلَى القَادر صلاة القادرين، ثم إذا عَجَز تبدَّلت صفةُ الصَّلاة.
والثاني: اختلفوا في التعبير عن القول المخرَّج، فقال بعضهم: يعتبر الأغلظ منْ حَالَتَي الوجوب والأداء، وربما أشعر كلاَمُهم بقَطْع النَّظَر عن الحالات المتقلّلة بينهما، بل صرَّح الإِمام -رحمه الله- بأنه لو كان مُعْسِرًا في الحالتين، وتخلَّلت بينهما حالةُ يَسَارٍ، لم تعتبر تلك الحالة، وأشار إلى اتفاق الأصحاب -رحمهم الله-، وقال: السَّبب