للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنْد أبي حنيفة المُدُّ رطلان، والصاع ثمانية أرطالٍ؛ أربعة أمناء وأمداد ووظيفة كلِّ مسكين إن أخرج البُرَّ نصْفُ صَاعٍ مُدَّان، ومن التمر والشَّعير صاعٌ أربعةُ أمْدَادٍ، وعنه في الزبيب روايتان، وقال مالك: الاعتبار في كفَّارة الظِّهار بِمُدِّ هشام بن عبد الملك بن مروان، وهو أزيد من مُدِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قِيلَ: هو مدَّانِ بِمُدِّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: هو مدٌّ ونصْفٌ، وقيل: مد وثُلُثٌ، وساعَدَنا في غير كفارة الظهار، وقال أحمد: لكلِّ مسكينٍ منَ البُرِّ مُدٌّ، ومن الشعير والتمْرِ مُدَّان، واحتج أصحابنا بِمَا رُوِيَ في حديث الأعرابيِّ الذي جامَعَ في نهار رمَضَان أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ فِيهِ خمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، فَقَال: خُذْ هَذَا، وَأَطْعِمْ عَنْكَ سِتِّينَ مِسْكِيناً، وهذا المبلغ إذا قُسِّمَ على ستين، كان لكلِّ واحدٍ منْهم مُدٌّ لا صَاعٌ، ويجوز أن يُعْلَم قوله في الكتاب "وهو ستون مداً" بالحاء؛ لأن الواجب عنده من البر مائةٌ وعشْرُون مُدًّا، ومن غيره سِتُّونَ صَاعًا، وبالألف؛ لأن عنده الواجب من غير البُرِّ مائةٌ وعِشْرون مُدًّا, ولاَ ينبغي أن يُعْلَم بالميم، فإنه لم يخالف في عدد المد، وإنما الخلاف في قَدْر المد، وأعلم قوله "والقتل" بالواو؛ لخلافٍ سيأتي في كفَّارة القتل في أن الإطْعَام هل له مدخل فيها؛ وأعلم أنَّ في قَدْر الكفَّارة والفَطْرة (١) ونحوهما نَوْعُ إشكالٍ؛ وذلك لأن الصيدلانيَّ وغَيْره [من الأئمة] (٢) ذكروا في أن الاعتبار في ذلك بالكيل دُون الوَزْن، وأرادوا به أن المِقْدار الذي يَحْويه الصَّاع يَخْتلف وزْنُه باختلاف جنْس المَكِيلِ (٣) ثِقلاً وخفةً، فالبر أثْقَلُ من الشعير، وأنواع البُرِّ أيضاً قد تختلف أوزانِّهَا، فالواجب الَّذي يحويه المكْيل بالغًا وزنه ما بلغ، وذكر بعضهم أن الذي قيل في وزن الصالح على ما قدَّمنا في زكاة الفطر، كأنّه اعتبر فيه البُرَّ أو التمر، وقضية هذا الكلام أن يجزئ من الشعير ما هو دُونَ ذلك المِقدار في الوزن، إذا كان يَمْلأُ الصَّاع، لكن اشتهر عن أبي [عُبَيْد] القاسم بن سَلاَّم [ثم] عن ابن سُرَيْج أن دِرْهم الشَّرِيعَة خمسون حَبَّةً وخُمْسَا حَبَّةٍ ويُسَمَّى ذلك درْهَمَ الكيل؛ لأن الرَّطْل الشرعيَّ منه يُرَكَّب، ويركب من الرَّطْلِ المُدُّ، ومن المد الصَّاعُ، وذكر الفقيه أبو محمَّدٍ عبْدُ الحَقِّ بْنُ أبِي بَكْرٍ بْنِ عطيَّةَ أنَّ الحَبَّة التي يتركَّب منها الدرْهَم هي حبَّة الشعير المتوسِّطة الَّتي لم تُقَشَّر، وقُطِعَ من طرفَيْها ما امْتَدَّ، وقضيَّة هذا أن يحوي الصالح هذا المقدار من الشعير، وحينئذ، فإن اعتبر الوزن، لَمْ يملأ البر بهذا الوَزْنِ الصَّاعَ، ولم ينتظم القول بأن الوَاجِبَ ما يحويه المِكْيَال، وإن اعتبر الكيل، كان ما يجزئ من البُرِّ أكثر مما يجزئ من الشعير (٤) بالوزن والله أعلم.


(١) في ز: والفطر.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: الكيل.
(٤) قال النووي: هذا الإشكال وجوابه، وقد أوضحته في باب زكاة المعشرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>