للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمة اللَّعْن، قال الإِمام -قدس الله رُوحَهُ-: وخُصَّت بهذه التَّسْمية؛ لأن اللَّعْن كلمةٌ عربيةٌ في مقام الحُجَج من الشهادات والأيمان، والشيْء يشتهر (١) بما يقع فيه من الغريب، وعلى ذلك جَرَى معْظَم مسميات (٢) سور القرآن، ولم يُسَمِّ بما يسبق من الغَضب؛ لأنَّ لفْظ الغَضب يقع في جانب المرأة، وجانب الرجل أقوى، وأيضاً فلعانه يسبق لعانَهَا، وقد ينفك عن لعانها.

وقد ورد باللعان الكتابُ والسنّة، قال الله تعالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ [بِاللَّهِ] (٣)} [النور: ٦] الآيات، وروى ابن عباس (٤) -رضي الله عنهما-: "أن هلال بن أُمَيَّةَ قذَفَ امْرأته عنْد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِشُرَيْكِ ابْن سَحْمَاء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البَيِّنَة أو حَدٌّ في ظَهْرِكَ" فقال: يا رَسُولَ الله، إِذَا رَأَى أَحَدٌ عَلى امْرَأَتِهِ رَجُلاً، ينْطَلِقُ يلْتَمِس البَيِّنَةَ، فَجَعَل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: البَيِّنَةُ حَدٌّ في ظَهْرِكَ فقال هلال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فنزل جبريل -عليه السلام- وأنزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآيات، وروى سهل بن سعد الساعدي أن عُوَيْمِرَ العجلانيَّ قال: يا رسولَ الله: أَرَأَيتَ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً، أَيَقْتلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قَد أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ، فَأْتِ بِهَا، فقال سَهْلٌ، فَتَلاعَنَّا في المسجد، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وَذَكَرُوا أَنَّ الآيَاتِ وَرَدَتْ فِي قصَّة هلال (٥).

وقوله في القصة الثانية "أَنْزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ" حُمِلَ على أن المراد: أنَّهُ بَيِّن حكم الواقعة بما أنزل في حقِّ هلال، والحكم على الواحد حكْمٌ على الجماعة، واعلم أن اللعان سبقه القَذْف، ويحتاج في الباب إلى معرفة سورة القَذْف واللعان وأحكامهما، فيقع الكلام في قسْمَيْن: أحدهما: في القَذْف، والثاني: في اللعان، وهذا ما أراد بقوله: "والنظر في القَذْف ثم في اللعان"، والقذف ينقسم إلى: قَذْفِ الزوج زوجَتَه، وإلى غيره، والقِسْمان يشتركان في أحكام، ويفترقان في أحكام، فعَقَد فيه بابَيْن:

أحدهما: في ألفاظ القذف وأحكامه العامَّة، والثاني: في قذف الأزواج خاصَّةً،


(١) في أ: يشهر.
(٢) في أ: مسميات.
(٣) سقط في ز.
(٤) قال الحافظ: في الباب عن أنس رواه مسلم من طريق ابن سيرين أن أنس بن مالك قال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك ابن السحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول من لاعن، الحديث.
(٥) متفق عليه وفي آخره: قال فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>