للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن الزنا معْنًى يمنع ماضيه الحصانة، ويسقط حدّ القذف على ما سيأْتي، فجاز أن يبطل مستقبله الحَصَانة، ويسقط حد القذف، والكفر لا يُؤثِّر ماضيه، فكذلك مستقبله كالجنون.

والثالث: ذكَر الإِمام أن الركْن الأعظم في الإحْصَان العفَّة عن الزنا، فإن الغَرَض من حدِّ القذف صيانة العِرْض، فإذا زنى المقذوف انهتك عرضه، وتعذَّرت صيانته، وأما الإِسْلام، فيعتبر على سبيل الشُّروط والتتمات (١)، فلا يُراعَى إلا في حال الجنابة، وإذا قلنا بالمَذْهب، فلو قذف زوجته، ثم زَنَتْ، سقط عنه الحَدُّ واللعان.

نَعَمْ، لو كان هناك ولدٌ، وأراد نفْيَه، فله اللعان.

فَرْعٌ: لو سرق المقْذُوف أو قَتَل قبِل أن يقام الحد على القاذف، لم يؤثِّر ذلك، ولم تبطل الحصانة، وفي كتاب القاضي ابن كج أن أبا الحُسَيْن حكى فيه وجهَيْن:

الثاني: مَنْ زنى مرةً، سقَطَت حصانته، ولم يعد بالعفة والصلاح بعده، فلا يحد قاذفه، ولكن يُعزَّر للإيذاء، وهذا ظَاهِرٌ إن قيد القذْف بالزنى السابق، أو أطلق، فإنه صادق في أنه زنَى، فأما إذا قيد القذف بزنى متأخِّر، فقد استبعد سقُوطَ الحدِّ مستبعِدُون، ولم يقيموه مع ذلك وجهاً، وقالوا العِرْض إذا انخرم بالزنى، لم يزل الخَلَل بما يطرأ من العفَّة، وكذلك لو زَنَى كافر أو رقيق ثم أسلم ذاك، وعتق هذا، وصلحت سيرتهما، لا يحد قاذفهما بخلاف ما إذا جَرَتْ صورة الزنى في الصَّبِيِّ أو المجنون، قلنا: إنه يُحدُّ قاذفهما بعد البلوغ والإفاقة؛ لأن فعل الصبيِّ والمجنون ليس بزنى؛ لعدم التكليف.

الثالث: إذا قذف زوجته أو غيرها وعجز عن إقامة البينة على زنى المقذوف، وأراد أن يُحلِّفه على أنه لم يَزْنِ، ففي تمكُّنه منه قولان، ويقال: وجهان:

أحدهما، ونُسِب إلى نصه -رضي الله عنه- في "الإملاء": أنه لا يتمكَّن إذ لا عهد باليمين على نَفْي الكبائر، وأيضاً، فإن شُرَيْكَ ابْن السحماء الذي رُميَتْ به الملاعنة على عَهْد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ، فأنكر، فلم يُحلِّفه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والثاني: يتمكن، فلعله يُقرُّ، فيسقط الحد عن القاذف، وفي "التهذيب" و"التتمة" أن الأول أظهر، لكن الموافق لجواب الأكثرين الثَّاني، وقالوا: لا تسمع الدعوى بالزنى والتحليف على نفيه إلا في هذه المسألة (٢).


(١) في أ: والسمات.
(٢) ما حكاه عن الأكثرين فيه توقف، وإنما قاله جمع من العراقيين كالبندنيجي وابن الصباغ، وأطلق جماعة الوجهين بلا ترجيح، والصواب نقلاً ودليلاً المنع. أما النقل فلأن الشَّافعي نص عليه في الإملاء والمختصر، ولا يعرف له نص بخلافه إلا في مسألة الوارث ورجحه القاضي الحسين =

<<  <  ج: ص:  >  >>