للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية: إذا قال في الجواب: لا يلزمني الحَدُّ، فأقامت البينة على القَذْف، فله اللعان أيضًا، ويجوز أن يريد بقوله: "لا يلْزَمُنِي الحدُّ"؛ أني صدقت فيما قلْتُ، وسأحقِّقه باللعان فلا يكون عليَّ حدٌّ.

والثالثة: إذا أنكر القَذْف، فأقامت الشاهدين علَيْه، ثم أراد أن يُلاَعِن، فيُنْظَر؛ إن أوَّل الإنكار، وقال: لم أردْ أني ما رمَيْتُها بالزنا؛ وإنما أردتُّ أن هذا الرمي حقٌّ، وليس بقذفٍ باطلٍ، قُبِلَ ذلك [منه] (١) ومُكِّن من اللعان، وإن لم يتأَوَّل الإنكار، لكنه أنشأ في الحال قَذْفاً، فله أن يُلاَعن، فإذا لاَعَنَ، سَقَط عنه الحَدُّ، وإن كانت هي صادقةٌ في دَعْواها؛ لأنَّ مَنْ كرَّر قذف امرأته كَفَاه لعانٌ واحدٌ، وإن لم يَذْكر تأويلاً ولا أنشا قذفًا، ففي جواز اللعان وجْهان:

وجه المَنْع: أنه يُنْكِر نسبتها إلى الزنا، فكيف يَشْهَد بالله إنه لمن الصادقين، فيما نسبها إليه؟

والثاني: يجوز؛ لأنه لم ينكر زناها، وإنما أنكر القَذْف، والقَذْف يُسْتعمل في القول الباطل، فيجوز أن يريد: إن قَوْلي صدْقٌ، وليس بقذفٍ باطلٍ، وإن لم يتلفظ (٢) بالتأويل ولأن قوله مردود عليه بالبينة فصار فكأنه لم ينْكُرْه، وشبه ذلك بما إذا قال المُشْتَري في جواب من يدعي الاستحقاق: إنه مِلْكي، وكان ملكًا لفلان إلى أن اشتريته منه، ثم قامت البينة على الاستحقاق، وانتزع المال من يده وتمكن من الرجوع على البائع، وإن أقرَّ له بالمِلْك؛ لأن إقراره قد صار مردُودًا عليه بالبينة، وهذا ظاهر النَّصِّ في "المختصر" وبه أخذ أكثر الأصْحَاب، وربَّما نفى العراقيون الخلافَ فيه.

الرابعة: إذا لم يَقْتَصِر في الجوابِ على إنْكَار القذْف، ولكن قال: مَا قذَفْتُ وما زنَيْتِ، فيحد ولا لعان؛ لأنه شهد بعفَّتها وبراءتها، فكيف يُحقِّق زناها باللعان، وقوله الأول بكذبه، وليس له أن يقيم البينة على زِنَاها، والحالة هذه؛ لأنه كَذَّب الشهود بقوله "ما زَنَيْتِ" وشبه ذلك بما إذا أنكر المُودَع أصْل الإيداع، فأُقيمت البينة علَيْه، فادَّعى التلف أو الرد، لا تُسْمَع دعواه، وفي هذه الحالة، لو أنشأ قذفاً، فعن القاضي حسين إطلاقُ القول بجواز اللِّعان، والذي استقر عليه كَلامُ الإِمام، وتابعه صاحب الكتاب: أن ذلك محمولٌ على ما إذا مضى بعْد الدعوى والجواب زمانٌ يُمْكن تقدير الزنا فيه، وإلا، فيؤاخذ بإقراره ببراءتها ولا يُمَكَّن من اللعان، فإذا لاَعَنَ، فهل يسقط حدُّ القذف الَّذي قامت البيَّنة علَيْه، حكى الإِمام -رحمه الله- وغيره فيه خلافًا، وقضية لفظ الكتاب الجواب سقوطه؛ لأنه قال في إذا أنكر في الجواب القذف: "فإن أنشأ قذفًا آخر، فلَهُ


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: بلفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>