للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللِّعان، واندفع عنه ذلك الحَدُّ أيضًا" ثم استثنى ما إذا قال: "ما قذَفْتُ، وما زَنَيْتِ"، أي فلا لِعَان، ولا يندفع عنه ذَلِك، ثُمَّ اسْتَثْنى من المستثنى ما إذا مضت مدة يُمْكن فيها حدوث الزنا، أي فَلَهُ اللعان، ويندفع ذلك الحدُّ، هذا قضية ظاهر النظم.

المسألة الثانية: إذا امتنع الزَّوْج عن اللعان، فعرض للحد أو استوفى بعْض الجلدات، ثم بَدَا له أن يُلاَعِن، مُكَّن منه، وإذا لاعَنَ، سَقَط عنْه ما بَقِيَ من الحَدِّ، كما لو بَدَا له أن يقيم البينة، وكذلك المرأة إن امتنعت من اللعان، ثم عادت إليه، مُكِّنَتْ، ويسقط عنْها ما بقي من الحد، قال الأصحاب: واللِّعان، وإن كان يمينًا عندنا، لكن أُلْحِقَ في هذا الحكم بالبينة، لمشابهته إياها من حيث إن الزَّوْج يأتي به من غير أن يُطْلَب منه كالبينة، ويؤثر لِعَانُه في إثبات الحَدِّ عليها، كالبينة، ولم يُلْحَق باليمين، حيث لا يجوز العَوْد إليها بعد النكول؛ لأن اليمين بعْد النكول] (١) تنتقل إلى جنبة المدعي [ففي تمكُّن المدَّعَى عليه من اليمين] (٢) بعد الإنتقال إبطالُ حَقِّه، واللعان بالامتناع عنه لا يَنْتَقِل إلى جنبة الغير، ولو أُقيم عليه الحَدُّ بتمامه ثم أراد أن يُلاَعِن، فلا معنى له؛ لأنه قد ظَهَر كذبه بإقامة الحد عليه، قال القفَّال: إلا أن يكون هناك ولَدٌ، فله أن يلاعن (٣) لنفيه، وهذا أورده مُورِدُون في مَعْرِض البيان لما أطلقه الأولون، ولم يجعلوا جواز اللِّعان عند قيام الولد مختلفًا فيه، وأثبت الإِمام الخلاَف؛ فقال: فعل القفَّال عن الأصْحَاب أنَّه لا يُلاَعِن، ووجَّهَه أن القَذْف سَقَط بإقامة الحد، وكان الزوج بعد الحد لَيْس قاذفًا، والقَذْف لا بد منه في نَفْي الولد، واختار (٤) لنفسه أنه يُلاَعِنُ لغَرَض نفي النسب، ولا يَبْعد أن يقال: إن القَذْف يتأكَّد بالحد، وهو باللعان يُخْرِج نفسه عن أن يَكُون قاذفاً؛ وعلى هذا يجوز أن يُعُلَم قوله في الكتاب "مُكِّن منه" بالواو.

وأما إذا لم يكن هناك وَلَدٌ، فالذي أطلق أنه لا يلاعِنُ اقتصارًا مثله على الأصح، ويجيْء فيه الخلاف المذْكُور في أن ما سوى غرض دفع الحد، ونفي النسب هل يجوز له اللعان؛ ذَكَره في "التتمة". والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الرَّاِبعُ): إِذَا قَالَ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ فَيَجِبُ التَّعزِيرُ* فَإِنْ قَالَ: وَأَنْتِ مَجْنونَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ فَكَمِثْلِ إِنْ عَهِدَ لَهَا ذَلِكَ وَإِلاَّ فَالحَدُّ* وَقِيلَ: لاَ حَدَّ إِذَا لَمْ تُعْهَدْ تِلْكَ الحَالَةُ لأَنَّهُ جَاءَ بِمُحَالٍ.


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.
(٣) والذي حكاه عن القفال تابع فيه الإِمام، وكلام القاضي الحسين في تعليقه يقتضي أن القفال هو المطلق للحكم، وأنه لا يلاعن مطلقًا. والتفصيل إنما هو للقاضي.
(٤) في أ: والمختار.

<<  <  ج: ص:  >  >>