للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قال لزوجته: زنَيْتِ وأنتِ صغيرةٌ، فقد أطْلَق صاحب الكتاب أن علَيْه التعزير، وكذلك ذكره صاحب "التهذيب"، وفَصَّل الأكثرون، فقالوا: يراجع، ويؤمر ببيان حالة الصغر، فإن ذكر سنًا لا يحتمل الوطء، كما إذا قال: بنت ثلاث أو أربع، فهو ليس بقاذف، مدة للسبِّ والإيذاء، ولا لعان بمثله على ما مرَّ، وإن ذَكَر شيئًا يحتمله كما إذا قال: كانت بنت عَشْرٍ، فهو قاذفٌ، وعليه التعزيرُ، وله إسقاطه باللعان، ولو قال: زَنَيْتُ وأنْتِ مجنونةٌ أو مُشْرِكةٌ أو أمةٌ، فإن عُرِفَتْ لها هذه الأحْوَال أو ثبتَتْ بإقرار أو بينَة، فعليه التعزير، دُون الحَدِّ، وله اللعان؛ لإسقاطه، وإن عرف ولادتها على الإِسلام والحرية واستقامة عَقْلها، فالمشهور أنه يجب الحَدُّ للقذف الصريح، وتلْغَى الإضافة إلى تلك الحالة، وعن صاحب "التقريب" وجْه أنه لا حَدَّ؛ لأنه نسَبَها في تلْك الحالة إلى الزِّنَا، وإذا لم يكُنْ لها تلْك الحالة، فيكون ما أتى به لَغْوَاً من الكلام ومحالاً، فأشبه ما إذا قال: زنَيْتِ، وأنتِ رتْقَاءُ، وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يجب الحد فيما إذا قال: وأنتِ مشركةٌ أو أمةٌ؛ لأنها مكلفة في الحالَتَيْن، ولا يجب في الحالتين، فيما إذا قال: وأنتِ صغيرةٌ أو مجنونةٌ.

وإن لم يَعْلَمْ حالها، واختلفا، ففيه قولان:

أحدهما: أن الزوج هو المُصدَّق بيمينه: ولا حدَّ عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته؛ وعلى هذا، فَلَوْ نَكَلَ، فحلَفَت، حُدَّ.

والثاني: أن الزوجة هي المصدَّقة باليمين؛ [لأن الظاهر مَنْ في دار الإِسلام الحرية، والغالب سلامةُ العَقْل؛ وعلى هذا، فلو نكَلَت، فحَلَفت، فالواجب التعزير، ويشبه أن يكون هذا أرْجَحَ القولَيْن، وموافقة قوْله في الكتاب، وإلا، فالحد؛ فإنه حَكَم بوجوب الحد، إذ لم تُعْهَدْ تلك الحالَةُ ونظْم "التهذيب" يقتضيه أيضًا، ويجيْء القولان فيما إذا اختَلَفا؛ فقال الزوج: أنتِ أمَةٌ في الحال، وقالت: بَلْ حرَّةٌ ولا يجيئان فيما إذا قال: أنتِ مشركةٌ في الحال، وقالَتْ: بل مسلمة، فإنها إذا قالت: أنا مسلمةٌ، فيحكم بإسلامها (١)، وإذا قالت المرأة: أردتَّ بقولك "زنَيْتِ، وأنْتِ صغيرةٌ" قذفي في الحال، ووصفي في الحال بالصغر، ولم تُردْ القذف بِزِناً في الصِّغَر، فعن الشيخ أبي حامد: أن القول قَوْلُها، وكذا لو قال: وأنتِ مجنونةٌ أو مشركةٌ، إذ أقرت بتلْك الحالة، وقالت:


(١) قال الزركشي فيه أمران:
أحدهما: ليس هذا مخالفًا لما ذكره في كتاب الردة أن قول الكافر أنا مسلم لا يحكم بإسلامه.
الثاني: صورة المسألة أن يقول لها ابتداء أنت في الحال كافرة فتقول: بل أنا مسلمة، ثم يقذفها فإنه لا يجيء القولان بل يقطع بأنه يحد حد القذف، بخلاف ما لو قال أنت في الحال أمة فقالت: بل أنا حرة، ثم قذفها فإنه على القولين؛ لأن جهالة الحرية إلى الآن باقية.

<<  <  ج: ص:  >  >>