للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٩] ولا يقاس المتوفَّى عنها على المطلَّقة؛ لأن عدَّة الوفاة لو شرط فيها الدخول لم يُؤْمن أن ينكر الدخول، حِرْصاً على الأزواج، وليس هاهنا من ينازعها، فيقضي الأمر إلى اختلاط المياه، وفي المطلَّقة صاحق الحق حَيّ ينازع، فلا يتجاسر على الإنكار (١) وأيْضاً ففُرْقَة الموت لا اختيار فيها، فأُمِرَتْ بالتفجع وإظهار الحزن؛ لفراق الزوج، ولذلك وجب فيه الإحداد، وفُرْقة الطلاق تتعلَّق باختيار المُطَلِّق، وقد جفاها بالطلاق، فلم يكن عليها إظهار التفجُّع والحزن، وأيضاً، فالمقصود الأعظم في عدة الطلاق تعرف براءة الرحم، ولذلك اعتبرت بالأقراء، وفي عدة الوفاة المقصود الأعظم حقُّ الزوج ورعاية حرمة النكاح؛ ولذلك اعتبرت بالشهور التي لا تقوى دلالتها على البراءة، وتعتبر مدة العدة بالهلال ما أمكن، فإن مات الزوج في خلال شَهْر هلاليِّ، وكان الباقي أكْثَرَ من عَشَرة أيام، فتعتد بما بقي، ويحسب ثلاثة أشهر عقيبه بالأهلة، ويكمل ما بقي من شهر الوفاة ثلاثين من الشهر الرابع بعْد الثلاثة، وتضم إليها عَشَرة أيام، فإذا انتهت إلى الوقت الذي مات فيه الزوْجُ يوم مات، فقدإنتهت العدة، وإن كان الباقي أقلَّ من عشرة أيام فَتَعُدَّهُ وتحسب أربعة أشهر بالأهلة عقيبه، وتكمل الباقي من الشهر السادس، وإن كان الباقي عَشَرَةً بلا زيادةٍ ولا نقصان، فتعتد إليها، وتضم إليها أربعة أشهر (٢) بالأهلة، وحكى أبو الفرج السرخسي عن أبي حنيفة وبعض أصحابنا: أنه إذا انكسر البَعْض، انكسر الكل، فيراعى العدد، وقد سبق مثله في نظائره، وإن انطبق الموت على أول الهلال، حُسِب أربعةَ أشهر بالأهلة، وضُمَّت إليها عشرة أيام من الشهر الخامس، ولو كانت محبوسةً لا تعرف الاستهلال اعتدت بالأيام، وهي مائة وثلاثون يوماً، والأمة تعتدُّ بنصف ما تعتدُّ به الحرة، وهو شهران وخمسة أيام، ولا فرق بين أن ترى المعتدة في المدة المذكورة دم الحيض على عادَتِها أو لا تراه، وتنقضي العدة على التقديرَيْن؛ لإطلاق الآية، وقال مالك -رحمه الله-: تُشْتَرَط أن تَرَى الحَيْض فيها على عادتها، وبعضهم ينقل أن الشرط عنده أن تحيض في المُدَّة.

واعلم قوله في الكتاب "وَإنْ لَمْ تَحض" بالميم؛ لما حكينا من مذْهبه، ولو مات الزَّوْجُ، والمرْأَةُ في عدَّة الطلاق، فإن كانت رجعيَّةً، سَقَط عنْها عدة الطلاق، وتنتقل إلى عدة الوفاة، حتى يلزمها الإحداد، ولا تستحق النفقة، وإنما قدمت عِدَّة الوفاة؛


(١) في ز: الإمكان.
(٢) وهو قضية كلام القاضي الحسين والمتولي وكأنه طريقة المراوزة، وقضية كلام العراقيين وغيرهم أنه لا بد من أربعة أشهر أولاً ثم العشرة، وفي تعليق ابن أبي هريرة أنه لو بقي من الشهر عشرة أيام سواء اعتدت بثلاثة أشهر بالأهلة وينكسر الرابع فيكمل على الشهر ثلاثين منه، فإن أكملت الأربعة أتت بعشرة أيام، وبهذا صرح الماوردي وابن الصباغ. وصاحب الانتصار وهو قضية إطلاق القاضي أبي الطيب وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>