للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انقضت عدَّة الشبهة، فهل يجب الاستبراءُ على المُشْتَرِي؟ فيه قولان:

أحدهما: لا يجب، وله وطؤها في الحال؛ لأن المُوجِب للاستبراء حُدُوثُ المِلْك، ولم يكن يومَئِذ في مظنة الاسْتِحْلال، وإذا تخلف الحكم عن المُوجِب، سقط أثره.

وأظهرهما: الوجوب؛ لأن الموجِبَ قدْ وُجِد، لكن لم يَترتَّب عليه موجِبُه في الحال، فإذا أمكن، رتَّب، ولا بُعْد في تراخي الحُكْم عن السبب؛ ألا ترى أن المعتدة عن النكاح إذا وُطِئَت بالشبهة، تَعْتدُّ عن الوطء بعْد الفراغ من عدة النِّكاح؟ وقد يقال بوجوب الاستبراء، وُيرَدُّ الخلاف إلى أنه هل تَدْخل في العِدَّة، ويقْرُب منه ما حكَيْنا عن "التهذيب" من قبل، وهاهنا فائدتان:

إحداهما: استنبط القاضي الحُسَيْن من القولَيْن عبارتَيْن يتخرَّج عليها مسائل:

إحداهما: أن الموجب للاستبراء حدُوثُ مِلْك الرقبة مع فراغ مَحَلِّ الاستمتاع، ووجه اشتراط الفراغ بأن مقْصود الاستبراء حِلُّ الاستمتاع، فإذا كانتْ مشغولةً بنكاح أو عدة، لم تَحْصُل الاستباحة عند انقضاء الاستبراء، فلا يكون مُؤَدِّياً.

والثانية: أن الموجَب حدوثَ حِلِّ الاستمتاع في المملوكة بمِلْك اليمين، ووُجِّه بأن مِلْك الجارية قد يقصد للاستمتاع، وقد يُقْصد لغيره، فتعلُّق الحُكْم بُحِلُّ الاستمتاع لا بالمِلْك، فعلى العبارة الأُولَى، لا يجب الاستبراء عنْد انقضاء العِدَّة؛ لأنه لم يَحْدُث المِلْك حينئذ، وحين حَدَث المِلْك، لم يكن محلُّ الاستمتاع فارغاً، وعلى العبارة الثانية يجب، وعلى العبارتَيْنِ خَرَّج بعْضهم الخلاف فيما إذا اشْتَرَى مجوسيةً، فحاضَتْ ثم أسلَمَتْ، هل يلزم الاستبراء بَعْد الإسلام أم تعتد بما سَبَق وكذا الخلاف فيما إذا زَوَّج أمته وطلَّقها زوجها قبل الدخول، هل على السيد الاستبراء؟ فَعَلَى العبارةِ الأُولَى لا يَجِب، وعلى الثانية؛ يجب، ويجري الخلاف فيما إذا زَوَّجها، وطلَّقها بعد الدخول، وانقضَتِ العدة أو وُطِئَت بالشبهة، وانقضت العدة.

واعلم أن الحكاية عن نصِّه في "الأم" -رضي الله عنه- فيما إذا اشترى أمةً معتدةً من زَوْج: أنه لا يلزم الاستبراء بعْد انقضاء العدَّة، وفيما إذا زوَّج أمته، وطلَّقها الزوْج بعد الدخول: أنَّه يَلْزم الاستبراء بَعْد انقضاء العدَّة، وعن نصِّه في "الإملاء" عكس الجوابين في الصورتين، فحصل في الصورتين قولان منصوصان.

والثانية: إذا قلْنا يما إذا اشترى مزوَّجةٌ، وطلَّقها الزوج: لا يجب الاستبراء، فلمن يريد تعجيل الاستمتاع أن يتخذه حيلةً في إسقاط الاستبراء، فيسأل البائع أن يزوجَهَا ثم يشتريها، ثم يسال الزوج أن يُطلَّقها، فتَحِلُّ له في الحال، لكن لا يجوز تزويج الجارية الموطوءة إلا بعْد الاستبراء، فإنما يحْصُل الغرض إذا لم تَكُن موطوءة،

<<  <  ج: ص:  >  >>