للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعْد: أن لبنَ الفَحْل يُحَرِّم، وتصير المرضعة، أُمّاً للمرتضع، ويصير الفَحْل الذي منْه اللبن أَباً له، وينتشر منه الحُرْمة إلى أولاده، وبه قال عامَّة العلماء، وعن بعْض الصحابة -رضي الله عنهم- خلافُه، واختاره عبد الرحمن ابنُ بنتِ الشافعيِّ -رضي الله عنه-.

لنا: ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أن أفلح أخا أبي القعيس [جاء] (١) يستأذن عليها، وهو عمُّها مِنَ الرضاعة بعْد ما نزلت آية الحِجَاب، قالت: فأبيت أن آذَنَ له، فلما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخْبَرْته بالذي صنَعْتُ، فقال: إنَّه عَمُّكِ، فأْذَنِي له، فقلتُ يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما أرضَعَتْنِي المرأةُ، ولم يرضِعْني الرَّجُل، فقال [رسول الله] (٢) -صلى الله عليه وسلم- إنه عمُّكِ فَلْيَلجْ عليك، وأبو القعيس كان زوج المرأة التي أرضعت عائشة -رضي الله عنها-، وروى الشافعيُّ أن ابن عباس (٣) سُئِلَ (٤) عن رجُلٍ له امرأتان، أرضعتْ إحداهما غلاماً، والأخرى جاريةً، أينكح الغلامُ الجاريةَ، قال لا اللِّقاح واحدٌ، يعني أنهما أخوان لأبٍ.

إذا عُرِفَ ذلك، ففي القاعدة صِوَرٌ:

إحداها: إذا كان للرجل خمسُ مستولداتٍ أو أربعُ نسْوةٍ ومستولدةٌ، فأرضعت كلُّ واحدة منْهن بِلِبَانِهِ (٥) صغيراً مرَّةً، لم يَصِرْنَ أمهاتِ الصغير, وهل يصير الرجل أباً له؟ فيه وجهان:

أحدهما، وبه قال أبو القاسم الأنماطي، وابن سُرَيْج وابن الحَدَّاد: لا؛ لأنَّ الأبوَّة متابعةٌ للأمومة؛ لأن انفصال اللبن عنها مشاهدٌ محسوسٌ، فإذا لم تثْبُتِ الأمومة التي هي الأصْلُ، لا تثبت الأبوة.

وأصحهما، وبه قال أبو إسحاق وابن القاصِّ: أنَّه يصير أباً؛ لأنَّ لَبَن الكُلِّ منه، فإذا حَصَل في جوفه خمسُ مراتٍ، لم يُفرِّق الحالُ بين أن يكون الانفصال من ثَدْيٍ واحدٍ، أو مِنْ ثِدْي جماعةٍ، وكأنهن ظروف للبنه، ويجوز أن يثبت الأُبوَّة دون الأمومة، كما يجوز أن تثبت الأمومة دون الأبوة كما ذكَرْنا فيما إذا دُرَّ لَبَنُ بِكْرٍ أو ثيِّب لا زَوْجَ لها، وكذلك لو أرضَعَتْ صغيراً بلِبَانِ زوجها ثلاثَ رضعاتٍ، فطلَّقها زوجُها، ونكحت غيره، وأرضعَتْ بلبان الثاني ذلكَ الصغيرَ رَضْعتَيْنِ، ثبتت الحرمة بينها وبين الرضيع، ولا تثبت بينه وبين الرجُلَيْن، وإذا قلْنا بأنه يصير أباً، فالمرضعات يَحْرُمن على الرضيع،


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.
(٣) رواه الشافعي كما قال عن مالك عن ابن شهاب عن عمرو بن الشريد عن ابن عباس، رواه الترمذي في جامعه من هذا الوجه.
(٤) في ز: سأل.
(٥) في ز: بثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>