أحدهما: ويُنْسَب إلى رواية المزنيِّ -رحمه الله- في "منثوراته": أنه لا تُغَرَّم؛ لأن البُضْع بعد الدخول بها لا يتقوم للزَّوْج، ألا ترى أنَّها إذا ارتدَّت، وأصرَّتْ حتَّى انفسخ النِّكَاح، لا تُغَرَّم للزوج شيئاً، وأنه استوفَى بالمسيس ما يُقَابِل المهْر، فلا يأخذ عوضاً.
وأصحهما: أنها تُغَرَّم له مهْرَ المثل، كما لو شهدوا على الطلاق بَعْد الدخول، ثم رجعوا، يُغَرَّمون مهْرَ المثل [و] أيضاً، كما لو ادَّعَى الزوْجُ أنه راجعَهَا قبل انقضاء العدَّة، وأنكرت، وصدَّقْناها بيمينها، فَنَكَحَتْ زوجاً آخر، ثم أقَرَّتْ للأول بصِحَّة الرجْعة، لا يُقْبل إِقرارها على الثَّاني، وتُغَرَّم للأوَّل مهْرَ مثْلِها؛ لأنها أتْلَفَت بُضْعَها علَيْه.
المسأَلة الثانية: إِنما يجب الغُرْم في الصورة السابقة على أُمِّ الزوج وَمَنْ في معناها، إِذا أرضعت أو مكنت الصغيرة من الارتضاع، فلا يُعْتَبَرُ مع إِرضاعها ارتضاعُ الصغيرة، ولا يحال الانفساخ علَيْه، قال في "البسيط": لأن الارتضاع منْها بِحُكْمِ الطبع، فلا وقع له، ولم ينزل هذا منزلة إفْلات الطائر عنْد فتْح باب القَفَصِ، حتى يكون على الخِلاَف، والفرق غامِضٌ، أمَّا لو كانت صاحبةُ اللَّبَن نائمةٌ، فَدَبَّت إليها الصغيرةُ، وارتضعت، وانفسخ النكاح، فيحال الانفساخ على فعْل الصغيرة، ولا غُرْم عَلَى صاحبة اللبن؛ لأنها لم تصنع شيئاً، وعن الشيخ أبي عليٍّ روايةُ وجْهٍ؛ وعن الداركيِّ: أن عليها الغُرْمَ؛ لأن اللبن لها، وقد يعد نومها بحيث تَصِل الصغيرة إلى الارتضاع منْها نوعاً من التَّقْصِير والظَّاهر الأول. ولا مهْر للصغيرة؛ لأن انفساخ النِّكاح حَصَل بفِعْلها، وذلك يُسْقِط المهر قبل الدخول، هذا أصحُّ الوجهَيْن.
والثاني: أن لها نصْفَ المُسمَّى ولا يُعْتبر فعلها في الإِسْقَاط، وإذا قلْنا بالأصح، فيرجع الزوْج في مالها، حيث يندفع نكاح الكبيرة بنسبة ما يغرم لها من مهْرِ مِثْلِها؛ لأنها أتْلَفَت عليه بُضْعَ الكبيرة، ولا فَرْق في غرامة المُتْلِفات بين الكبيرة والصغيرة، ولو وصلت القطرة إلى جوف الصبية بتطيير الريح، فلها نصْفُ المَهْر، ولا غُرْم على صاحبة اللبن؛ لأنه لا صنيع مِنْ واحدةٍ منهما، ويجيْءُ في وجوب الغُرْم عليها الوجْه المنقول عن الداركيِّ، ولو ارتضعَتِ الصغيرةُ أمِّ الزوج مثلاً رضعتَيْن، وهي نائمةٌ، ثم أرضعَتْها الأمُّ ثلاث رَضَعَات، فعلى الوجهَيْن السابقَيْنِ في أن الغُرْم يُوزَّع على عدد المُرْضِعَات أو على عدد الرَّضَعَات، إن قلنا بالأول، فيسقط مِنْ نصْفِ المسمَّى نِصْفُه، وَيجِبُ على الزَّوْج نصْفُه، وهو الربع، وإن قلْنا بالثاني، فيسقط من نصْفِ المسمَّى خُمُسَاه، ويجب على الزوج ثلاثةُ أخماسه، وكذلك أورد صاحب "المهذب" و"التهذيب"، قال في "التهذيب": يرجع الزوج على المرضِعَة بربع مهْر المثْلِ، على الوجه الأول، وثلاثةِ أخْماسِ نِصْفِ مهْرِ المثْلِ؛ على الوجه الثاني.