والثالث: أن الموسِرَ زادت نعمةُ اللهِ عليه فيليق به الزيادةُ في الإنفاق، والنَّظَر إلى الثلث قريبٌ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُ تَعَالَى أَعْطَاكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ" قال في "البسيط": وهذه المسالك بأصول أبي حنيفة أشبه منْها بأصولنا، لكن لمّا تطلبت الكفايةُ، اكتفوا بمثل هذه التفريعات، وفي "الوسيط" أن الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- ذكر المُدَّ والثُّلُثَ على التقريب، وأن الصحيح يُنْظَر إلى كفايتها، وهذا القَدْر قَدْرُ كفايتها في الغالب، ويليق بالعادة في حق الخادمة.
وقوله في الكتاب:"وهو قدر كفايتها في الغالب" يشير إلى نْحوِ مِنْ هذا، وهو غير ملائم لما ساقه الأصحاب.
والثانية: هل تَسْتَحِقُّ الخادمة الأُدْمَ فيه وجهان:
أحدهما: وُيحْكَى عن ابن أبي هريرة: لا، ويكتفي بما يَفْضُلُ من المخدومة.
وأصحُّهما: الاستحقاق كما في المخدومة، وذلك لأن العيش لا يتم دونه، وعلى هذا فجنسه جنس أُدْمُ المخدومة، وفي النوع وجهان:
أحدهما: أنه يُسوَّى بينهما فيه، كما في الجنس.
وأصحُّهما: وينسب إلى النصِّ: أنَّه يُجْعَلَ جنس أدم المخْدُومة أجود للعادة، وطُردَ الوجهان في نوع الطعام أيضاً، وفي استحقاق الخادمة اللحْمَ وجْهان، وربما بُنيا على الوجْهَيْن في التسوية في الإدام، إن قلنا: إن إدامها مثل إدام المخدومة، فلها اللحم، وإلا فلا يَجِب، وأما قدر إدامِها، فيُجْعَل بحسب الطعام.
الثالثة: لو قالت: أنا أخْدُمُ نَفسِي، وطلبت الأجرة أو نفقة الخادم، لم يلزمه ذلك؛ لأنها أسْقَطَتْ مربيتها, وله أن لا يَرْضَى بذلك؛ لأنَّها تصير متبذِّلةً، وأشار في "البسيط" و"الوسيط" إلى خلافٍ فيه، وإذا قلْنا بالظاهر، فلو توافقا على ذَلِكَ، ففي "التتمة": أنه على الخلاف في الاعتياض (١) عن النفقة، ولو قال الزوج: أنا أخدُمُها، وأراد إسقاط مؤنة الخادمة، فوجهان:
أحدهما: وبه قال أبو إسحاق، واختاره الشيخ أبو حامد: أن له ذلك؛ لأنَّ الخدمة حقٌّ عَليْهِ، فله أن يوفيه بنَفْسِه وبغيره، وعلى هذا، فالواجب إخدامها بأحد الطرق التي سَبَقَتْ، أو أن يَخْدُمَهَا بنفسه.
(١) ووجه الشبه أنها استحقت عليه الإخدام فأخذته عوضاً عن نفقة الخادم فصارت كما إذا استحقت الطعام والأدام فأحدث عنه العوض، وظاهر كلام الإِمام والغزالي الاعتياض. قال في المطلب: فإن صح ما ذكره من التخريح بطل ما ذكره من التعليل. انتهى وعلى الجواب فيظهر أن لا يصح إلا يوماً بيوم.