للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبيوردي بما روي أن عُمَر بْن الخطَّاب -رضي الله عنه- كَتَبَ إلَى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم، وأمرهم أن يامروهم، إمَّا أن يُنْفِقُوا وإما أن يُطَلِّقوا، فإن طَلَّقوا، بَعَثوا بنفقة ما حَبَسُوا (١)، فعلَى هذا، إذا ثبت الإعسار عند الحاكم، أمره أن يتحملى وينفق، فإن أبى، فيُطلِّق الحاكم بنَفْسه أو يَحْبِسْه لِيُطلِّق؟ فيه الخلافُ المذكورُ في الإيلاء، والظاهر أن القاضي يُطلِّق، وإذا طلق طلقَ طلقة رجعيةً، فإن راجَعَ، طلَّق ثانيةً وثالثةً.

وأصحُّهما: وهو المنصوصُ: أن هذه الفُرْقة فرقَةُ فَسْخٍ لا يَنْقُص بها عدد الطلاق، كالفسخ بالجَبِّ والعُنَّة، ويخالف الإيلاء لأنَّ المُولِي لا عيْب فيه، وإنما قَصَد الإضْرار بها، فمُنِع منه، وأمره بأن يفيء أو يطلِّق، والعجز عن الإنفاق عيب فالحق بالعجز عن الوطء فعلى هذا إذا [شكت الإعسار، تولَّى القاضي الفسْخَ بنفسه، أو أذن لها بالفَسْخ، ومنهم من قال: إنَّها تستقل بالفَسْخ بَعْد] (٢) ثبوت الإعسار عنْده وإذا قُلْنا بظاهِر المَذْهَب، وهو أنه لا بُدَّ من رفْع الأمر إلى القَاضِي فلو لم يرفع وفَسَخَتْ بنَفْسها بعلْمِها بعَجْزه، لم ينفذ في الظاهر، وهل ينفذ باطناً، حتى إذا ثبت إعْسَاره متقدِّماً على الفَسْخ إما باعتراف الزوج أو البينة، يكتفي به، ويحتسب العدَّة منه؟ فيه تردُّد وَجْهٍ، قال في "البسيط": ولعل هذا فيما إذا قَدَرَتْ على الرفع إلى القاضي، فإن لم يكن في الصقع حاكمٌ ولا مُحَكَّمٌ، فالوجْه إثباتُ الاستقلال بالفَسْخ.

وقوله في الكتاب: "في حقيقة هذا الرفع" يعني رفْع النكاح بسبب الإعسار، وذكر صورتي الجب والإيلاء أوَّلاً ثم ذَكَرَ الخِلاَف إشارةً إلى أن هذَا الرَّفْع يلحق على رأْيٍ بهذا، وعلى رأي بهذا، وقد ذكر في "التتمة" أن الخلاف في أنه فسْخٌ أو طلاقٌ مبنيٌّ على القولَيْنِ فيَ أن القاضِيَ يُطَلِّق على المُولِي أو يَحْبِسه؛ ليطلِّق أو يفيء إن قلْنا: فيطلِّق هاهنا أيْضاً؛ لأنها لا تصل إلى حقها، وإن قلْنا بالثاني: فهاهنا لا يمكن الحَبْس؛ لأنه عاجزٌ، فلا يبقى للخلاص طريق إلا الفسخ، ولك أن تَقُولَ: العاجِزُ عن الإنفاق لا يجوز حَبْسه؛ لينفق، ولكن لا يَبْعُدُ أن يُحْبَس ليكلَّف الإنفاق أو يُطَلِّق عَلَى ما ذكر في الكتاب حتى يحسبه؛ لينفِقَ أو يطلِّق.

وقوله: "طلق القاضي طلاقاً رجعيّاً" يجوز أن يُعْلَم بالواو؛ للقول الآخر في أن


(١) رواه الشافعيُّ [١٧٢٢] عن مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به، ورواه ابن المنذر من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به وأتم سياقاً، وهو في مصنف عبد الرزاق، وذكره أبو حاتم في العلل عن حماد بن سلمة عن عبيد الله به، وقال: وبه نأخذ، وقال ابن حزم: صح عن عمر إسقاط طلب المرأة للنفقة إذا أعسر بها الزوج.
(٢) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>