للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشعير وغيرهما وكذا الأُدْمُ الغالب والكُسْوة الغالبة؛ من القُطْن والكَتَّان والصوف، ويراعى حال السيد في اليسار والإعسار، فيجب ما يليق بحاله مِنْ رفيع الجنس الغالب وخسيسه ولا يجوز الاقتصار في الكُسْوة على ستر العورة، وإن لا يتأذَّى بحرٍّ ولا بِبردٍ، لأن ذلك يُعَدُّ تحقيراً وإذلالاً، ولو كان السيد يتنعم في الطَّعَام والإدَامِ والكُسْوة، فيستحب أن يدفع إلَيْه مثْلَهُ، ولا يجب بل يجوز الاقتصار على ما دونه، إذا كان هو الغالِبَ، وما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحتَ يَدِهِ فَلْيُطعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ" (١) حمله الشافعيُّ -رضي الله عنه- على الاستحباب، أو على أن الخطاب للعَرَب الذِينَ مطاعمهم وملابسهم متقاربة، أو على أنه جوابُ سائلٍ، علم حاله، فأجاب على ما اقتضاه الحال؛ وإن كان السيد يطعم ويلبس دون المعتاد غالباً، إما بُخْلاً أو رياضةً، فيلزمه رعايةُ الغالب للرفيق، أوْ لَهُ الاقتصار على ما اقْتَصَر عليه لنفسه؟ ذكر في "التهذيب" فيه وجْهَيْن، المشهور منهما الأول، وإذا كان له عبيدٌ، فالأَوْلَى التسوية بينهم في الطعام والكُسْوة (٢)، وفيه وجْه أنه يفضل ذاتَ الجَمَالِ والفراهة للعادة، وإذا وَلَّى رقيقه معالجة طَعَامِهِ، وجاءه به فينبغي أن يُجْلِسَه معه؛ ليتناول منه، فإن لم يفْعَلْ أو امتنع الرقيقُ منْه توقيراً للسيد، فينبغي أن يروغ له لقمة أو لقمَتيْنِ ويناوله، رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ قد ولى حُرَّه ودخانه، فَلْيُقْعِدْهُ يَأْكُلُ مَعَهُ، وَإلاَّ فَلْيُنَاوِلهُ أُكْلَة من طعامه" (٣)، وَيُرْوَى أنه قال: "إذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طعامه حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَإنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَة" (٤) والأُكْلة بالضم: اللقمة وروغها: إذا رَوَّاها دسماً، وأشار الشَّافعي -رضي الله عنه- في ذلك إلى احتمالات ثلاثة:

أحدها: أنه يجبَ التَّرْوِيغُ والمناوَلَةُ، فإن أجلسه معه، فهو أفضل.

وثانيها: أن الواجب أحدُهُمَا، لا بعينه وأصحُّهما: أنه لا يجب واحدٌ منهما، والأمر بهما على سبيل الاستحباب نَدْباً إلى التواضُع ومكارم الأخلاق، ومنْهم مَنْ نَفَى الخلاف في الوجُوبِ، وذكر قولَيْنَ في أن الإجلاس أفضل أم هما متساويان؟ والظاهر


(١) متفق عليه البخاري [٣٠ - ٢٥٤٥ - ٦٠٥٠] ومسلم [١٦٦١] من حديث المغرور بن سويد عن أي ذر نحوه، وفيه قصة.
(٢) وهذا الوجه هو قضية العرف ويه أجاب الصيمري فقال: ويختلف حالهم باختلاف أقدارهم ومنازلهم وجزم به الماوردي وغيره فليس كسوة الراعي والسايس ككسوة من قام بالتجارة وغيرها.
(٣) متفق عليه البخاري [٢٥٥٧ - ٥٤٦٠] ومسلم [١٦٦٣] من حديث أبي هريرة، وأخرجه الشَّافعي ثم البيهقي باللفظ الثاني، وإسناده صحيح.
(٤) ينظر تخريج الحديث السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>