الأول؛ ليتناول القدْر الذي يشتهيه، وهذا الاستحباب فيمن يعالج الطعامَ آكد، وأصل الاستحباب في مناولة الطعامِ اللذيذِ يَشْمَلُ المعالِجَ وغيره ورعاية هذا الخُلُق في حَقِّ الحاضرين أهم، وليكن ما يناوله من اللقمة كبيرة تَسُدُّ مسداً دون الصغيرة التي تهيج الشهوة، ولا تقضي النهمة، ونفقة الرقيق كنفقة القريب؛ في أنها لا تصير دَيْناً في الذمة وتسقط بِمُضِيِّ (١) الزمان، ولو دفع إليه الطعام، ثم أراد إبدالَهُ، ذكر القاضي الرويانيُّ: أنه ليس له ذلك عند الأكل ويجوز قبله، وعن الماوَرْدِيِّ أنه إن تضمَّن الإبدالُ تأخرَ الأكل، لم يجز.
وقوله في الكتاب:"ولا يجب تفضيل النفيس على الخسيس في جنس الكسوة" لفظ الوجوب لم يستعمله أكثر الأئمة في هذا الموضع في أولوية التَّسْويَة وكراهية التفضيل وعدَمِها ثم التفضيل لا يختص بالكُسْوة [بل] الطعام كالكسوة، وقوله:"على الأصح" يعني من ثلاثة أوجُهٍ تحْصُل إذا أخذ مطلق الرقيق.
وقوله:"وقِيلَ يجب تفضيل السرية على الخادمة" وهو الثالث الفارق بين التفضيل في العبيد والتفضيل في الجواري، وهذا هو الأصحُّ عند عامَّة الأصحاب، وهو المنصوص عليه، ولفظ التسوية يُشْعِر بتخصيص التفضيل بها، لكن لفْظ الشافعيِّ -رضي الله عنه- وعامَّة الأصحاب أن ذاتَ الجَمَال [والفراهة] تُفَضَّل، ولم يُفرِّقوا بين السرية وغيرها، بل صرَّح صاحب "التهذيب" بنَفْيِ الفرق.
وقوله:"ويستحب أن يُجْلِسَ الرقيقَ مَعَهُ" محمول على الرقيق الذي عالج الطعام، وإن أطلق إطلاقاً على ما هو مبيَّن في "الوسيط"، وكان يمكن حمله على الاستحباب الشامل إلا أنه ذَكِّرَ بعده الوجْه الذاهِب إلى الوجُوب والخلافَ، والاحتمالاتُ المذكورةُ في الوجوب مخصوصةٌ بالرقيقِ الذي عَالَجَ الطعام، ولا مجال لها في غيره.
وقوله:"ويجب ذلك" يمكن أن يريد به أحدهما، ويجوز أن يريد شيئاً من ذلك، والله عزَّ وجلَّ أعلم.
(١) قال في الخادم: ينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا أذن له القاضي في الاستقراض وقد صرح به في البحر فقال: لو قال الحاكم لعبد رجل غائب استدن وأنفق على نفسك فذلك دين على السيد ويجوز ذلك.