للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَيْثُ يَضُرُّ بِنِتَاجِهَا، وَإذَا أَجْدَبَتِ الأَرْضُ وَجَبَ عَلَفُ السَّائِمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلِفْ بيعَتْ عَلَيْهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: من ملك دابَّةَ لزمه علفها وسقْيُها؛ لحرمة الرُّوح، ويقوم مقام السَّقْي والعَلَفِ تخليتها؛ لترعى، وترد الماء، إن كانت مما يَرْعَى ويجتزئ به لخصيب الأرض، ولم يكن مانعُ ثلج وغيره، فإن أجدبت الأرض، وكانت لا تجتزئ بما ترعى، فعليه أن يُضِيفَ إلَيْه من العَلَف ما يكفيها، ويطرد ذلك في كل حيوانٍ محترمٍ، وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ مَسكَتْهَا حَتَّى مَاتت مِنَ الجُوعِ، فَلَم تَكُنْ تُطْعِمُهَا وَلاَ تُرْسِلُهَا فَتَأْكُلَ مِنْ خَشَاشِ الأَرضِ" (١) وخِشَاش الأَرْض هوامُّها بفتح الخاء وكسره، فإن امتنع المالك من ذلك أجْبَرَه السلطَانُ في المأكول على بيعها أو صيانتها عن الهلاك بالعلف أو التخلية أو ذبحها، وفي غير المأكول على البَيْع أو الصيانَة، فإن لم يفعل، ناب الحاكِمُ عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحالُ، وعن أبي الحُسَيْن: أنه لا يخليها لخَطَرِ الذئب وغيره، فإن لم يُعْرَفْ له مالٌ، باع الدابَّةَ أو جزءاً منها، أو إكراهًا، فإن لم يرغب فيها لعَمًى أو زمانةٍ، أنفق عليها من بيْت المال، ولا تُضيع كالرقيق، وبهذا كلِّه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: لا يجبره السلطان على العَلَف ولا يبيع ماله فيه، ولكن يأمره به عَلَى سبيل الأمر بالمعروف.

ولا يكلف الدابَّة ما لا تطيقه من تثقيل العمل وإدامة السير وغيرهما، ويجوز غصب العَلَف لإبقاء الدابة، إذا لم يوجَدْ غيره، ولم يبعه المالك، وكذا غصب الخيط؛ لجراحتها، وذكر فيها وجه، والظاهر الأول، وهو كالعدول إلى التيمم، وسقْيها الماء ومسألة الخَيْط مذكورةٌ مرةً في "الغصب" ولا يجوز نزف لبن الدابة بحيث يضر بنتاجها، وإنما يحلب ما يفضل عن رِيِّ ولدها.

قال القاضي الرويانيُّ: ويعني بالري ما يقيه حتى لا يموت، وقد يتوقَّف في الاكتفاء بهذا، وذكر في "التتمة" أنه لا يجوز الحَلْب، إذا كان يضر بالبهيمة؛ لقلة العَلَف، وأنه يكره ترك الحلب إذا لم يكنِ في الحَلَب إضرارٌ بها؛ لما فيه من تضييع المال والإضرار بالبهيمة وأنَّ المستَحَبَّ ألاَّ يستقصى في الحَلْبِ، ويُبْقى في الضّرْع شيء، وأن يقُصَّ الحالبُ أظفاره، كيلا يؤذيها بالقرص.

وييقى للنحل شيئاً من العسل في الكوارة، فإن كان الاشتيار في الشتاء، وتعذر


(١) متفق عليه البخاري [٣٣١٨ - ٣٤٨٢]، مسلم [٢٢٤٢] وله طرق من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم من حديث جابر، وفي الباب عن عقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو، رواهما ابن حبان في صحيحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>