وقوله:"وإن أَعْقَبَ ورماً وألماً حتى مات عَقِيبَهُ وجب القصاص" يجوز إعلامه بالواو؛ لطريقة من طَردَ القولَيْنِ مع ظهور أثر الغرز بالتورم، ولو لم يتعرض للألم، لم يَضُرَّ؛ لأن الورم لا يَخْلُو عن الألَمِ بخلاف عكْسه.
وقوله:"وإن لم يعقب ورماً ومات عقيبه" هكذا صور في المسألة، ويُشبه أن لا يفترق الحال بين أن يتألم، ويموت في الحال، وبين أن يستمر التألُّم، ويموت بعد مدة، بل وجوب القصاص، إذا توالت الآلام أوْلَى؛ لتأثيرها في الضعف والسراية، وكان سبب التصوير فيما إذا ماتَ في الحال؛ أنه إذا لم يمُتْ، والألم دائمٌ، فالغالب حدوثُ التورُّم ويتبين الألم على البَشَرَةَ، فتكون عين الصورة السابقة، وأما قوله:"وإن سَقَى غَيْره دواءً يقتل كثيراً لا غالباً" إلى آخره فالمقصود منه أن الأئمة تكلَّموا في أنه لو سقاه دواءً أو سُمّاَ لا يُوحَّي ولا يقتل غالباً، لكنه يقتل كثيراً، فيكون ذلك كالضرب بالمثقل، أو كالجارح.
قال الإِمام: والذي حصَّلْته من قول الأصحاب: أنه كغرز الإبرة في غير المقتل؛ لأنه يلقى في الباطن أغشية رقيقة يجْرَحُها، وتنقطع هي به، فيشبه تأثيره تأثير الجارح في ظَاهِر البَدَن، ووجه إلحاقه بالمُثْقلات سلامةُ الظَّاهِرِ عن الخراب.
إحداهما: إذا حبسه في بيْت، فمات جوعاً أو عطَشاً، نُظِرَ؛ إن كان عنده الطعامُ والشرابُ، لكنه لم يتناونهُ خوفاً أو حزناً، أو أمكنه طلبه، ولو بالسؤال؛ فلم يفعل، لم يجب على مَنْ حبسه قِصاصٌ ولا ضمانٌ، والمحبوسُ هو الذي قَتَل نفْسَه، وإن منعه من الطعام والشراب ومنعه منَ الطلب، حتى مات، نظر؛ إن مضت مدة يموت مثله فيها غالباً من الجوع أو العطش، فعليه القِصَاص، وتختلف المدة باختلاف حال المحْبُوس قوةً وضعفاً، والزمان حرّاً وبَرْداً، [فإنَّ] فقد الماء في الحرِّ ليس كهو في البرد، وإن لم تمْضِ هذه المدَّةُ، ومات، فإن لم يكن به جوعٌ وعطشٌ سابقٌ، فهو شبه عمد، وإن كان به بعضُ الجوع أو العطش، ففيه طريقان: