للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا: ما روي أن يهوديّاً رضَّ رأسه جارية بين حجَرَيْنِ، فَقَتَلَهَا فأَمَرَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- برض رَأْسِهِ بَيْنَ حَجَرَيْنِ وأيْضاً، فقد تعمد إهلاكه بما يهلك غالباً، فأشبه القتل بالمحدَّد، وأيضاً، فلو أسقطنا القِصَاص لاتخذه أولو العرامة والفساد ذريعةً إلى إهلاك [الناس]، وإن ضربه بسوطٍ أو عصاً خفيفةٍ أو رماه بحَجَرٍ صغيرٍ، فإن وَالَى الضرباتِ، حتى مات أو اشتد الألم وضعف، وبَقِيَ ضمنًا إلى أن مات، وجب القصاص (١)، وإن لم يوال واقتصر على سوط أو سوطَيْنِ، فإن ضربه في المقتل، أو في شدة الحَرِّ أو البرد المعينَيْن على الهلاك، أو كان المضروبُ صغيرًا أو ضعيفاً بأصْل الخلقة، أو بعارض علَّةً، فكذلك؛ لأنه يهلك غالباً في هذه الأحوال، ولهؤلاء الأشخاص، وإن لم يكن شيْءٌ من ذلك ومات، فهو شبه عمد، ولو خَنَقَهُ أو وَضَع يده عَلَى فيه أو مخدة ونحوها، حَتَّى مات بانقطاع النفْسِ، فعليه القصاص، وإن خلاَّه وهو حيٌّ، فكذلك، إن انتهى إلى حالة حركة المذبوح أو ضَعْف، وبقي متألماً إلى أن مات، فإن زال ما أصابه من الضعف والألم، ثم مات فقد انقطع أثر ذلك الفعْل، وإن كانت مدَّة الإمساك [على الفم] قصيرةً، لا يموت مثلُه في مثْلِها غالباً، فهو شبه عمد، وألحق الضَّرْب بجمع الكَفِّ بالضَّربْ بالعصَا الخفيفة.

وقوله في الكتاب: "كما لو تَزْلَقُ رجلُهُ" في بعض النسخ زلق وهما واحد، وفي معناه ما إذا تولَّد مِنَ اضطرابِ يَدِ المرتعش هلاك.

وقوله: "وإن كان بمثقل لا يجرح" أعلم بالحاء؛ لأن المقصود ضبط العَمْد الذي يتعلَّق به القصاص، ونفى أبو حنيفة تعلُّقه بالمثقل.

وقوله: "أما ما لا يقثل غالباً وإن قتل كثيراً" يعني من غير الجارح.

وقوله: "أو يقتل نادراً" أي من الجارح.

وقوله: "كَغَرْزَة الإبرة الَّتِي لا تُعْقِبُ أَلَمَاً ظَاهِرَاً" أي التي لا يعقب غَرْزُها، ولو قال: "الذي لا يعقب" لرجع إلى الغرز المتلفظ به، كان أَوْلَى وأشار بقوله: "لا تعقب ألماً ظاهراً" إلى الغرز في الجِلْد الخَشِن الذي لا يُؤْلِم، والمراد من الظاهر الشَّديدُ، ولا عبرة بالألم الخفيف الذي لا وقْع له ولا تأثير.


(١) ما جزم به من القصاص في الثانية يخالف كلام الشَّافعي في الأم فإنه قال: ولو ضربه بالسياط على خاصرته أو بطنه أو على بدنه ضرباً متتابعاً أو على ظهره المائة والمائتين أو على أليتيه فإذا فعل هذا فلم يقلع عنه إلا ميتاً أو مغمى عليه ثم مات ففيه القود. انتهى.
وهو يفهم أنه إذا أقلع عنه قبل أن يموت وتبل أن يغمى عليه ثم بقي متألماً إلى أن مات لا قصاص فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>