للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثُغْرَةُ النَّحْرِ، والأخْدْعُ، وهو عرق في العْنُقِ، والخاصرة، والإحليل، والأنثيان والمثانة، والعجان (١)، وإنْ غَرَزَهَا في غَيْرِ المقتل، نُظِرَ؛ إن ظهر أثَرُ الغَرْز؛ بأن تورَّم الموضع للإمعان في الغرز، والتوغل في اللحم، وبقي متألماً ضمناً إلى أن مات، وجب القصاص بظهور أثر الجناية وسرايتها إلى الهلاك، وإن لم يَظْهَر له أثر وتورم، ومات في الحال، ففيه وجهان:

أحدهما، وبه قال أبو إسحاق وأبو الطيَّب بن سلمة: يجِبُ القصاص كالجراحات الصغيرة بغير الإبرة؛ وهذا لأن الجراحات لا يُضْبَط مورها ونكايتها في الباطن؛ فَيُدَار على ظاهر الجرح، ولأن في البَدَن مقاتل خفية سوى المقاتل الظاهرة، فالمَوْتُ بعْدَ الغرز يشعر بإصابة الجِرَاحَةِ بعْضَ تلك المقاتل، ويُرْوَى هذا عن أبي حنيفة، وذكر القفَّال أنه الأصح.

والثاني: وبه قال ابن سُرَيْج والإصطخريُّ، وأبو علي بن خيران، والطبري: أنه لا يجب القصاصُ؛ لأنه لا يُقْضِي إلى الهلاك غالباً من غير سراية وتورُّم، فأشبه السوط الخفيف، وهذا ما اختاره القاضيان الطبريُّ والرويانيُّ، وذكر في "العدة": أنه المذهب، وطرد طارِدُون؛ متهم القاضي ابن كج وابن الصباغ الوَجْهَيْنِ فيما إذا تورَّم الموضع، ودام الألم إلى الموت، وقالوا: الفعل في نفسه لَيْسَ مما يقصد به الهلاك، فإنه دون الفَصْد والحجامة اللَّذَيْنِ يُقْدِمُ عليهما الناس بالاختيار، ولا يَعُدُّونهما قتلاً، والوجهان في وجوب القصاص جاريانِ في الدية أيضاً فيما ذكر صاحب "العدة" وغيره، وذكر في "التهذيب" على الوجه الذاهب إلى نفْي القِصاص: أنه شبْهُ عَمْدٍ وهو أوْلَى وفي "الرقم" للعبادي: أن الغرز في بدن الصغير والشيخ الهم وَنضْوِ الخلقة، يوجب القصاص بكل حال، وأن الفرق بين المقتل وغير المقتل في حقِّ الكامل المعتَدِل الحال والأعضاء، ولو غرز الإبرة في جلدة العقب ونحوها، ولم يتألَّم به، فلا قصاص (٢) ولا دية، للعِلْم بأنه لم يمت منه، والموت عقيبه موافقةُ قَدَرٍ، فهو كما لو ضربه بقلم أو ألْقَى عليه خرقةً، فمات، ولو ضرب إنساناً بمثقل كبير يهلك غالباً؛ كالحجر والدبوس الكبيرين، أو حرقه أو صلبه أو هَدَمَ عليه جداراً أو سقفاً أو أوطأه دابة أو دفنه حياً أو عصر خصيتيه عَصْراً شَديداً، فمات، فعليه القصاص، وبه قال مالك وأحمد، وعند أبي حنيفة: لا قصاص، إلا إذا جرحَهُ بمحدَّد أو حرقه.


(١) وهو ما بين الخصية والدبر.
(٢) وما جزم به من عدم الضمان تبع فيه صاحب التهذيب والإمام والغزالي لكن القاضي الحسين ألحقه بغير القتل فقال فيه ما سبق فيها، وحمله في المطلب على ما إذا أدخلها في اللحم فلا منافاة حينئذ بين النقلين، لكن قضية إطلاق العراقيين ما قاله القاضي.

<<  <  ج: ص:  >  >>