مفازة، فمات جوعاً أو عطَشاً أو بَرْداً، فلا ضمان؛ لأنه لم يُحْدِث فيه صُنْعاً.
المسألة الثانية: إذا سحر الساحر إنساناً، فمات، سئل عن سحْره، فإن قال: قَتَلْتُهُ بسِحْري، وسِحْرِي يقتل غالباً، لزمه القصاص (١)، وإن قال: قد يقتل، لكنِ الغالبُ أنه لا يَقْتُلُ، فهذا إقرارٌ منْه بشِبْهِ العمد، وإن قال: قصدتُّ غيره، فتأثر به؛ لموافقة الاسم الاسْمَ، فهذا إقرارٌ منْه بالخَطَأ، وفي الحالتين ديةُ شبه العمد أو الخَطأ تكون في ماله، لاَ على العاقلة، إلا أن يُصدِّقوه، فإن إقْرَارَه لا يلزمهم، وسنعود إلى الكلام في القَتْل بالسِّحْر في "كتاب الديات" ثم في "كتاب دعوى الدم" إن شاء الله تعالى، وفي "المختصر" باب مفرَدٌ به هنالك.
وقوله في الكتاب:"وكذا لو قتله بالسحر" يجوز أن يعلم بالحاء؛ لأن عنده لا قصاص في القتل بالسحر؛ بناء على أصله في القتل بغَيْر الجارح، ويجوز أن يُعْلَم بالواو، لوجه مذكور في الموضع المُحَالِ عليه ذَاهب إلى أن السِّحْر لا حقيقةَ له، [فلا قصاص فيه] وإنما قال واعترف بأن سحره يقتل غالباً؛ لأن القتل بالسحر لا يثبت إلا بالإقرار، ولا مَدْخَل فيه للشهادة على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
وقوله:"والكثير غير النادر والغالب" إلى آخره، قد ذكَرْناه في الفصْل السابق، وكان إيراده هناك أوْلَى من تأخيره إلى هَذَا الموضع.
وقوله:"فإن علم جوعه لزمه القصاص" وقولُه: "في أحد القولين" فيما إذا كان جاهلاً، يجوز أن يُعْلَمَا بالواو؛ للطريقة المثبتة للخلاف في حالة العِلْمِ القاطعةِ بنَفْي القصاص في حالة الجَهْل.
وقوله:"كما لو ضرب مَرِيضاً ضرباً يقتل المريض دون الصحيح" فليس عليه حالة العلم ولا خلاف في وجوب القصاص، إذا علم الضاربُ أنه مريضٌ، فأما إذا جهل مرضه، فقد ذكره في الكتاب من بعد، ومسألة التجْوِيع أورد بعْضَها قَبْل مسألة السِّحْر، وبعضها بعْدها، ولو لَفَّق بينهما ولم يُخَلَّلْهما بمسألة السِّحْر، لكان أحسن.
فَرْعٌ: لو ضربه اليوم ضَربةً وغداً ضربةً أُخْرَى وهكذا؛ فَرَّق عليه الضرباتِ، حتى مات، فقد حكى القاضي ابن كج فيه وجهَيْن؛ لأن الغالب السلامة عند تفريق الضربات، وعن المسعوديِّ: أنه إذا ضربه ضربةً واحدةً، ولم يكن على قصْدٍ أن يزيد عليها، فشتمه فضربه ضربةً أخْرَى، ثم شتمه فضربه ضربةً أخْرَى، حتى قتله، فلا ضمان؛ لعدم الموالاة، وينبغي ألا ينظر في الباب إلى صورة الموالاة، ولا تُقدَّر مدة
(١) في حاشية الأصل: في مسألة الاسيتفاء من الجاهل ذكر أنه لو اقتص منها قبل استغناء الولد بلبن غيرها فمات الجنين أنه يجب الضمان وأنه أورد على ابن أبي هريرة مسألة المفازة فليوقف في الفرق.